الارشاد الزراعي - دعامة اساسية
للبحوث والتنمية الزراعية
ابتهال فاضل يوسف
رئيس مهنسين زراعيين اقدم
وزارة الزراعة
مركز التدريب والتأهيل
العراق- بغداد
آب /2011
الارشاد الزراعي – دعامة اساسية
للبحوث والتنمية الزراعية
المقدمة:
ان مشكلة الامن الغذائي من الاهمية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي والسياسي في كل من الدول النامية والمتقدمة , حيث ان زيادة السكان تعني مزيدا من الطلب على الغذاء , ومن الملاحظ ان معدلات النمو السكاني في الدول النامية تفوق نظيراتها في الدول المتقدمة بدرجة كبيرة , الامر الذي ينعكس على مزيد من الطلب على الغذاء والكساء . ويعتبر الارشاد الزراعي واحد من اهم المحددات التي يتوقف الاداء التنموي الزراعي عليها وبخاصة فيما تبلغه الاجهزة الارشادية من كفاءة وفاعلية . وتبرز اهمية الارشاد في انه يشكل مع البحث العلمي الركيزة الاساسية للتنمية الزراعية وتحقيق اهداف القطاع الزراعي من خلال الـ(NARES) (National Agricultural Research and Extension System) , فاذا لم تكن هناك وسيلة تعمل على ايصال النتيجة البحثية على شكل ممارسة قابلة للتطبيق تحت ظروف المزارعين فان جهود العاملين عليها جميعا قد لا تجدي نفعا ولذلك انشأت تنظيمات للارشاد الزراعي في الدول المتقدمة والنامية على حد سواء لتقصير المسافة بين ظهور التقنيات الجديدة وتبني المزارعين لها . اضافة الى ما تقدم فان التأكيد على توفير المستلزمات والتجهيزات الزراعية من الدعائم الساندة والمعززة للعمل والنشاط الارشادي لكونها احد مقومات التنمية الزراعية الاساسية الثلاث (البحث – الارشاد – الخدمات) مع مواكبة احدث التقانات العلمية في العالم وتوفير ماهو ملائم لظروف البلد ومتطلبات الزراعة من خلال التنسيق المستمر مابين الجهات ذات العلاقة وتقوية العلاقة المؤسساتية والوظيفية بين جهات التنمية الزراعية الثلاث . حيث ان القطاع الزراعي كغيره من القطاعات الانتاجية الاخرى يحتاج الى المدخلات الانتاجية الاساسية لكي يتطور بشكل يتلائم مع حاجات المجتمع لاشباع رغبات المستهلكين , خاصة وان زيادة الناتج الزراعي تتطلب تفعيل كل مفاصل العمل الزراعي , لان توفير عوامل الانتاج الزراعي تلعب دورا فاعلا في دفع عجلة التنمية الزراعية الى مستويات متقدمة تتحرك معها قطاعات العمل الاخرى .
ويبقى الارشاد الزراعي عنوان عام تنضوي تحته اغلب ابعاد الحياة المختلفة بل كل الحياة لانه متولد من الزراعة , وهي العمود الفقري لجسم المجتمع فالمجتمع الغير زراعي يكون ضعيف وغير مستقر ساسيا , واما المجتمع الزراعي المتطور يكون قوي ومستقر سياسيا وخير شاهد على ذلك الدول المتطورة صناعيا تعيش واقعا زراعيا متفوق بالمقارنة مع واقع الزراعة في الدول النامية ومنها العراق ((بعد ما كان يسمى بأرض السواد)) . وتعد الزراعة افضل مكسب لقوله تعالى ((ياأيها الناس كلوا مما في الارض حلالا طيبا ولا تتبعوا خطوات الشيطان انه لكم عدو مبين)) البقرة – 168 .
ويكتسب الارشاد الزراعي في الوقت الحاضر بعدا جديدا بفضل التوجه العالمي الى اصلاح انظمة الارشاد الزراعي الوطنية في البلدان النامية , حيث تظهر اليوم حاجات تعلم جديدة في مجتمعات المزراعين في ظل الظروف المعاصرة التي يعيشها العالم , والتي تؤثر على المزراعين في البلدان المتقدمة والنامية على السواء بطرق مختلفة . ويشهد العالم عزما جديدا وحازما لمكافحة الجوع والفقر الريفي . ويشكل العاملون في الارشاد سواء ينتمون لاجهزة حكومية او اهلية او منظمات خاصة او جمعيات المزراعين في جميع بلدان العالم (قوة هائلة) , فأصبح على الارشاد الزراعي ان يضطلع بدور جديد للغاية , ولابد ان يأخذه واضعوا السياسات على محمل الجد بهدف تحديثه بشكل ناجح حتى يتمكن من القيام بهذه الادوار الجديدة , لتحول خدمات الارشاد التقليدية الى قوة حديثة قابلة للاستدامة وقادرة على مواجهة التحديات الجديدة .
مفهوم الارشاد الزراعي :
الارشاد الزراعي نشاط تعليمي غير رسمي وخدمة هادفة لاحداث تغييرات سلوكية ايجابية في مهارات ومعارف واتجاهات افراد المجتمع الريفي بناءا على حاجاتهم للنهوض بمستوى الفرد والجماعة والمجتمع بأسره .
Extension : مد أو نشر الابحاث العلمية من مراكز البحوث الى المجتمع .
بما ان تحقيق التنمية الزراعية يتطلب زيادة للانتاج الزراعي وهذه تعتمد على وجود نظم وبرامج بحثية تولد بصفة مستمرة تقانات واساليب انتاجية جديدة , كما ان ايجاد التقانات والاساليب الزراعية الجديدة ليس هدفا بحد ذاته , بل لابد من نقل هذه التقانات الى المزارعين والفلاحين وتطبيقها من قبلهم اذ يعد ربط المعرفة بالتطبيق اهم ركن في عملية ايصال التقانات الزراعية المستخدمة الى الفلاحين اي ربط البحوث بالارشاد . فاذا اخفقت البحوث في ايجاد الحلول للمشكلات التي يعاني منها الفلاحين اصبحت بلا فائدة , واذا فشل الارشاد الزراعي في توجيه البحوث بالشكل الذي يساعد على زيادة القدرة في حل المشكلات تحول الى مجرد عملية تلقين وابتعد عن جذب الفلاحين اليه .
اهمية الارشاد الزراعي :
يعتبر الارشاد الزراعي مع البحوث دعامة اساسية للتنمية الزراعية . ولكن لسوء الحظ يسود في العديد من البلدان النامية ((مفهوم مغلوط عن الارشاد الزراعي)) يعزى الى ضعف :-
1- مجموعات الضغط المنادية بالارشاد .
2- التأسيس التنظيمي الاولي له .
3- الثقة والصلة بين منظمات البحوث والارشاد الزراعي .
4- فرص التطور الوظيفي للعاملين بالارشاد الزراعي .
اضافة الى ان برامج البحوث الزراعية اكاديمية جدا الا اذا ساهم العاملون في الارشاد الزراعي بتحديد المشاكل التي يواجهها لنقلها الى جهات البحث .
وتركز البحوث عادة على النواحي الفنية لتوليد تكنولوجيات وتطبيقها واعتمادها لالية موجهة الى المشاكل الميدانية , بينما تحتاج خدمات الارشاد الى دعم مؤسسات البحوث الزراعية التطبيقية لخدمة مجتمعات المزارعين بفاعلية . فبلدان مثل الولايات المتحدة الامريكية او كندا او استراليا او الدنمارك تمتلك زراعة متقدمة جدا وذلك لامتلاكها خدمات ارشادية قوية , كانت حكومية (عامة) في بداية تأسيسها وفي الوقت الراهن توجد الخدمات الارشادية العامة والخاصة جنبا الى جنب .
التحديات امام ممارسات الارشاد التقليدية :
يتزايد التشديد على المستوى الدولي على التنمية المستدامة بما في ذلك التحسين الريفي والتطور الزراعي الى جانب التطورات العالمية الرئيسية مثل العولمة وتحرير الاسواق واللامركزية والخصخصة واحلال الديمقراطية والتعددية والتفويض ومشاركة المستهدفين في اتخاذ القرار والكوراث الطبيعية والتي من صنع الانسان والفقر الريفي وانعدام الامن الغذائي , هذه التطورات فرضت ضرورة توفر فرص التعلم لمزارعي الكفاف والمزراعين التجاريين ف البلدان النامية على حد سواء . وهذه المجموعات تتحدى عقودا من الصلاحيات والممارسات المتوارثة والسائدة في انظمة الارشاد الزراعي التقليدية , لاسيما اذا نظرنا اليها ضمن اطار الثورة المعلوماتية , فلا بد من اعادة النظر في اختصاص الارشاد الزراعي للبلدان النامية ضمن السياق العالمي , بما يسمح بأداء تلك الوظيفة بكفاءة عالية , وبما يتوافق مع التحديات العالمية التي تواجه اقتصادهم لاسيما القطاع الزراعي. حيث ان التغييرات البسيطة والسطحية في انظمة الارشاد الوطنية القائمة لن تكون مجدية , كما لن يكون مجديا التدرب المتكرر للمرشدين على موضوعات زراعية نمطية .
ثورة تكنولوجيا المعلومات والتطورات العالمية :
يعيش العالم اليوم في قلب ثورة تكنولوجيا المعلومات التي حولت العالم الى قرية كونية وغيرت حياتنا بكل تفاصيلها . فتكنولوجيا المعلومات تمثل قوة هائلة يمكن الاستفادة منها لمصلحة البشرية . ويمكن استعمال هذه الطاقة لتعزيز قدرات وحدات الارشاد وتثقيف سكان الريف الذين يملكون الوصول الى وسائل الاعلام وفي نفس الوقت يمكن تخطي حاجزين كبيرين بين اجهزة الارشاد في علاقاتها المباشرة مع المزارعين والباحثين وهما :-
اولا : المسافة الجغرافية
ثانيا : غياب تسهيلات النقل
ومن خلال تطوير آليات اعلام تفاعلية ملائمة وتطبيقها , بدأت بعض البلدان باختيار مراكز الاتصال عن بعد التي انبثقت فائدتها من عدة بلدان في اوروبا الغربية . وتتم كذلك اقامة الروابط الافتراضية لاتصال الارشاد والبحوث التي ادخلتها منظمة الـ(FAO) ببعضها البعض , واحد الامثلة على ذلك اداة فيركون (VERCON) (Virtual and Research Communication Network) (الشبكة الافتراضية لاتصال الارشاد والبحوث) من خلال تأمين الانترنيت والبريد الالكتروني التفاعلي على المستوى المحلي لدعم موظفي الارشاد الميدانيين , وتطور ((نظام الخبير)) (RADCON) (Rural and Agricultural Development Communication Network) للتعويض نسبيا عن الزيارات الميدانية النادرة جدا التي يقوم بها الاخصائيون لحقول المزارعين , واليوم بات الهاتف النقال ممارسة روتينية . ولكن يبقى الاساس كيفية الاستفادة من طاقات تكنولوجيا المعلومات المتطورة لمصلحة موظفي الارشاد والمزارعين على السواء ومن دون التقليل من اهمية العوامل المحلية الفريدة كأنماط التواصل المحلية الذين يمثلون العنصر البشري الضروري والمطلوب ومن دون ان نعتبر كون تكنولوجيا المعلومات بديل عن موظفي الارشاد الزراعي .
التنمية المتكاملة في التواصل الفعال لنظم البحوث والارشاد الزراعي من اجل الامن الغذائي :
ان تطوير الانتاجية والانتاج الزراعي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من الانتاج الزراعي الوطني تعد اهدافا مركزية تسعى نحوها البلدان النامية جميعها ومنها العراق . وقد انتجت تلك البلدان اساليب ومناهج عديدة لتحقيق تلك الاهداف كالتوسع الافقي والعمودي وتنفيذ المشاريع والبرامج الانمائية والتي تقوم على فكرة ادخال تقانات جديدة الى النظم المزرعية المستهدفة فضلا عن نشر الحزم الارشادية كأستراتيجية لاحداث التغييرات المنشودة في النظم المزرعية لتحقيق الامن الغذائي .
وبما ان البحث والارشاد الزراعي من اهم المحددات التي يتوقف عليها الاداء التنموي والزراعي , فلا بد من التفاعل والتكامل بين المراكز البحثية الزراعية والارشاد الزراعي (NARES) (National Agricultural Research Extension System) وفق آلية عمل تطبيقية وصيغة تنظيمية محددة لضمان انسياب التقانات المستحدثة من مراكز البحث العلمي الزراعي الى الواقع التطبيقي .
حيث ان التوجه الدولي نحو الاساليب التنموية المتعددة الميادين والمتكاملة والشاملة اصبح اليوم حقيقة واقعة , ويعزى ذلك الى كون التنمية المتزامنة المتعددة القطاعات اكثر معنى من تنمية كل قطاع على حدة (ليكون اسلوب الارشاد اسلوب متعدد الاختصاصات) من خلال تدعيم فرص الاخصائيين متعددي الاختصاصات ليشمل على عناصر التخطيط من القاعدة نحو القمة ومشاركة الاطراف المعنية والتركيز على استئصال الفقر الريفي , ومداخل تأخذ في الحسبان اعتبارات النوع الاجتماعي , واستخدام اسلوب البرنامج والتخلي عن اسلوب المشروعات القديمة .
وفي استبيان لمنظمة الفاو يعتبر 80% ان النمو في المجال الزراعي يعتمد على البحث والتطوير الزراعي وهناك اتساع كبير في الفجوة الغذائية كما ان 60% مما يستهلك من الغذاء هو من الاستيراد, وبما ان الزراعة تهم كل المجتمع فلابد من ان يكون لها اعتبار عالي وحضور فاعل وفائدة ملموسة من خلال البحث والارشاد الزراعي (NARES) , وحيث ان فاعلية تلك الانظمة تنعكس وبشكل واضح على تحسين برامج الامن الغذائي باستخدام الناتج البحثي ليعطي مردود حقيقي لدى الفلاح من خلال ادخال التكنولوجيا الواقعية وتكيفها وايصالها وفق ما متاح لدى الفلاح والاعتماد على النهج من الاسفل الى الاعلى , وان يكون اختبار وتوثيق ثم اعتماد تلك المناهج .
وفي دراسة لمنظمة FAO تكون الزراعة في العام 2050 :-
- زيادة في نسبة الاراضي الغير قابلة للزراعة .
- تفاقم مشكلة المياه وتضاؤل الموارد المائية وقلة الامطار .
- 80% من الاستهلاك المتوقع من زيادة الورادات الزراعية .
واشارت الدراسة الى ثلاث تحديات تواجه المنطقة :
- الازمة المتزايدة بسبب اعتماد المنطقة على الواردات الزراعية .
- التأقلم والتكيف مع المتغيرات المناخية .
- الاستعداد للجفاف .
ومن اكبر التحديات للازمة الغذائية هي ايجاد فرص للتنمية الزراعية وهي ضمن جدول الاعمال العالمي (الاجندة العالمية) من اجل :-
- احياء الزراعة وتقليص الفقر باطلاق برامج اقليمية واعدة في مجال الامن الغذائي .
- اعادة احياء وتنشيط دور مؤسسات الابحاث والارشاد الزراعي .
- الاعتراف المتزايد بدور صغار المزارعين في المنطقة .
- التركيز على زيادة الانتاجية والانتاج في الزراعة (لكونها مصدر من مصادر الدخل) وهذه لا تتحقق على حساب الموارد البيئية فحسب لمواجهة كل التحديات والنظر للامور الاخرى كالتقانات الجديدة والمستحدثة والتي لاتكون في متناول المزارعين وخاصة الصغار منهم وهذه المدخلات اما تكون غير متوافرة او ليس لدى المزارع امكانية لشرائها فعند ذلك لا قيمة لها عندهم . وعليه تكون الحاجة ماسة الى نظرة للمعارف الزراعية وهذه لا تعني نشر تقانات جديدة بل بلورة تقانات لصالح المزراعين ومعهم والحاجة للنظر للحالة الاجتماعية والاقتصادية. وبما ان الامن الغذائي يؤثر في القطاع الزراعي بشكل عام على الحيازات الصغيرة وصغار المزراعين ولكون الزراعة لها انفتاحات على القطاعات الاخرى فلابد من التأكيد والتعزيز لانظمة الـNARES (نظم البحوث والارشاد الزراعي الوطنية) وتقوية النهج التشاركي وسد الفجوة بين المؤسسات التي لديها المعرفة والمجتمعات المحلية .
التنمية المتاحة للنهوض بالارشاد الزراعي :
ان التكنولوجيا بحد ذاتها ليست بحل وانما مسار تطبيقها هو الحل (اي طرق التواصل) (لكون مبدأ الاتصالات مبدأ مهم في عمل الارشاد الزراعي) وتعتمد على :-
1- تعميم التواصل على اساس حاجات المستفيدين .
2- اعادة هيكلة عملية نقل الارشاد (بناء القدرات) .
3- تتطلب تكنولوجيا المعلومات تغيير اجتماعي .
4- دعم عمليات وطرق الاتصال للوصول الى المعرفة .
5- العمل التعاوني والتشاركي لايصال المعرفة الى المزراعين بالتعاون معهم وتلبية حاجاتهم انطلاقا منها .
وان اهم مافي انظمة الابحاث والارشاد الزراعي هو الاثر الملموس على مستوى الحقل والمزارع حيث ان ادوات الاتصال هي التي تسمح لهذه الانظمة ان تكون في متناول المستفيد (المزارع) وهو الهدف .