فالجميع يعرف جيدا ان الارض والماء من الموارد الطبيعية التى تعتبر مصدر القوة لاى أمة بل للبشرية كلها ، لذلك لابد من استخدام هذه الموارد الاستخدام الامثل وتنميتها والمحافظة عليها بكل المقاييس جيلا بعد جيل... فلم تندثر الحضارات المزدهرة فى العصور السابقة الا نتيجة اهمال استخدام الارض والماء.
ويعتبر الماء اهم العناصر فى استصلاح الاراضى الصحراوية ولابد من البحث عنه وتوفيره بالقدر المطلوب وفى الوقت المناسب. وحتى عند توفره لابد من تقنين استعماله باختيار طرق الرى المناسبة..لانه من الصعب تحت ظروف ندرة المياه بالصحراء استخدام الرى بالغمر فى مثل هذه الاراضى الخفيفة القوام غالبا.
والشىء بالشىء يذكر..فعندما يكون الحديث عن استصلاح الاراضى فلابد من ذكر العالم الجليل وبكل حب وتقدير أستاذنا الكبير.. الاستاذ الدكتور إبراهيم حبيب ..استاذ ورئيس قسم الاراضى والمياه الاسبق بزراعة القاهرة وأبو إستصلاح الأراضى فى مصر.. ولى عظيم الشرف باننى أحد تلاميذه . فقد تعلمت منه الكثير والكثير .متعه الله بالصحة والعافية وجزاه عنا وعن الجميع كل الخير.
وفى الحقيقة فان استصلاح الاراضى يعتمد وبدرجة كبيرة على حسن اختيار ودقة تنفيذ نظام الاستصلاح المناسب ويتطلب هذا الامر تجميع البيانات اللازمة بشكل مبدئى وشامل للعوامل والظروف المحيطة مثل ظروف التربة ومصدر ونوعية ونظام الرى وكذلك نظام الصرف السائد وايضا الظروف المناخية ونوعية المحاصيل وغيرها من البياناتالمطلوبة ثم ترجمة هذه المعلومات الى خرائط عن نوع التربة ومدى تجانسها وكذلك ملوحة التربة على طول القطاع وايضا الماء الارضى واعماقه وخرائط للصرف ان وجد.
ومن اهم طرق الاستصلاح وتحسين قطاع التربة:
1-الاستصلاح بالوسائل الطبيعية
وتهدف هذه الطرق الى إصلاح الخواص الفيزيائية (الطبيعية) للتربة. وصفات التربة الطبيعة كالقوام والبناء والنفاذية من الصفات الموروثة وتعتبر محاولة تغير هذه الصفات عملية مكلفة وبرغم ذلك فتوجد عدة طرق او وسائل ميكانيكية من شانها تحسين هذه الصفات ومنها
الحرث العميق Deep plowing
وتفيد هذه الطريقة عندما توجد بالتربة طبقة ردئية النفاذية بين طبقتين ذى نفاذية جيدة . او تكسير الطبقات الغير منفذة . كما يستخدم الحرث العميق فى الاراضى التى تعانى الطبقة السطحية بها من تاثير الصوديوم المتبادل بينما تكون الطبقة التحت سطحية تحتوى على كمية من الجبس يمكن الاستفادة منها فى تحسين طبقة الصوديوم بعد طمرها لاسفل.
اضافة الرمل Sanding
او عن طريق اضافة الرمل الى التربة الثقيلة (الترميل Sanding). او التربة ذات القوام الناعم وتؤدى الى تحسين النفاذية وتسهيل اختراق الجذور للطبقة السطحية وذلك باضافة طبقة من الرمل حوالى 10سم (حوالى 400م3/فدان) وعموما لاينصح بهذه الطريقة الا فى اضيق الحدود عند زراعة محاصيل ذات عائد نقدى مرتفع لتغطية نكلفتها العالية.
قلب التربة Profile inversion
قلب التربة الغرض منه تغطية طبقة غير مرغوبة بطبقة تقع اسفلها ولكنها افضل فى صفاتها. ويتم تقليب التربة عند بداية الاستصلاح باستعمال المحاريث القلابة التى تفج التربة على اعماق تتراوح من 60-90سم وتحتاج هذه المحاريث الى جرار قوى لجرها ولذلك فهى عملية مكلفة بالطبع.
اضافة الطمى Silting
اضافة الطمى للتربة ( اطماء التربة Silting) فتتم فى الاراضى الرملية بغرض تحسين مقدرة هذه الاراضى على الاحتفاظ بالماء . وكانت هذه الطريقة شائعة فى الماضى الا ان تكلفتها مرتفعة مما يجعلها غير اقتصادية علاوة على عدم توافر الطمى نفسه.
ويمكن القول بان الغرض من العمليات الثلاثة الاولى هو زيادة نفاذية التربة المتماسكة اساسا عن طريق مزج طبقات التربة الناعمة والخشنة للحصول على تربة اكثر تجانسا ويكون ذلك يالحرث بعمق 50سم.
2-الاستصلاح البيولوجى
تعتمد هذه الطرق على الوسائل التى ترتبط بالكائنات الحية..تماما عندما نقول Biofertilizer والمقصود به التسميد المرتبط بالكائنات الحية (البكتريا والفطريات) او نقول التسميد الحيوى .
لذلك فان هذه الوسائل تعتمد على:
الغطاء النباتى
ويتم ذلك للوقاية من الشمس تماما عندما يقى الانسان نفسه من اشعة الشمس بتغطية رأسه وتظليلها .وبالتالى مطلوب تغطية التربة وتظليلها بالنباتات المنزرعة حيث يقلل ذلك من زيادة معدلات التبخير التى تعمل على تجميع الاملاح فى الطبقة السطحية للتربة وتمليحها ويصبح من الصعب استمرار زراعتها بدون عج او استصلاح.
خفض مستوى الماء الارضى
ويتم ذلك بزراعة الاشجار الخشبية بكثافة معقولة يفيد كثيرا فى مثل هذه الظروف ويؤدى الى خفض مستوى الماء الارضى مع تحقيق عائد مادى مجزى ..وتم تنفيذ هذه الوسيلة ضمن مشروعات مركز بحوث الصحراء بواحة سيوة.
اضافة المادة العضوية
وهى السماد البلدى ومعروف بالطبع فوائدة للتربة ولاداعى للدخول فيها لما له من تاثير على تحسين الخواص الطبيعية والكيمائية للتربة سواء للاراضى الجيرية او الرملية.
3-الاستصلاح الكيميائى
تعتمد هذه الطريقة على استخدام المصلحات الكيميائية فى عملية الاستصلاح والتحسين للاراضى الملحية والقلوية والرملية .ويتوقف نجاح المصلحات الكيميائية بدرجة كبيرة على التوفيق فى تنظيم الظروف الهيدرولوجية ( الغسيل والصرف) للتربة المستصلحة .
وتقسم المصلحات الى ثلاثة انواع طبقا لصفاتها التركيبية والخواص الكيميائية للتربة الى:
-املاح الكالسيوم الذائبة مثل كلوريد الكالسيوم والجبس.
-املاح الكالسيوم شحيحة الذوبان مثل كربونات الكالسيوم والمخلفات الجيرية من مصانع السكر
-المركبات الحامضية مثل الكبريت وحامض الكبريتيك وكبريتات الحديدوز.
ويعتبر الجبس CaSO4.2H2O اهم المصلحات الشائعة فى استصلاح الاراضى القلوية. ونادرا ما يستعمل كلوريد الكالسيوم برغم ارتفاع معدل ذوبانه لكن ثمنه غالى جدا مقارنة بالجبس.
وكربونات الكالسيوم (الجير) تستخدم فى استصلاح الاراضى الحامضية وهذه الاراضى لاتوجد عندنا فى مصر.
وكثيرا ما يستخدم الكبريت فى الاستصلاح سواء الاراضى القلوية او الرملية وخاصة مع اضافة المادة العضوية (السماد البلدى)
والكبريت يعتبر مادة غير فعالة مالم يتاكسد الى حامض كبريتيك بواسطة بكتيريا التربة .كما تحتاج عملية الاكسدة الى خلق الظروف المواتية وخاصة الرطوبة.
4- الاستصلاح الهيدرولوجى
الاستصلاح الهيدرولوجى يهدف دائما الى تحسين نفاذية التربة حتى يمكن غسيل اى املاح تتراكم فى قطاع التربة الى خارج منطقة الجذور عن طريق الصرف سواء كان صرف طبيعى وهو المفضل طبعا ، او صناعى وهو المنتشر فى الاراضى المنخفضة نوعا ومتوسطة القوام او الثقيلة.
ويمكن الحصول على أفضل النتائج فى هذه الطريقة من الاستصلاح بوضع المصارف فى الاماكن المنخفضة بينما قنوات الرى فى الاماكن المرتفعة . اما اذا كانت الارض مستوية الى حد ما فتكون المصارف فى وسط المسافة بين قنوات الرى.
وينم اجراء الاستصلاح بالغسيل Leaching للاراضى الملحية والقلوية .والتى تبنى على اساس احلال الماء المضاف او ماء الغسيل محل المحلول الارضى للتربة. والنسبة بين كمية الاملاح الاصلية الموجودة بالتربة قبل اجراء عملية الغسيل وكمية الاملاح الذائبة التى تزال بعد عملية الغسيل تعرف بـ شدة الغسيل Leaching intensity . وعملية الغسيل تحسب من معادلات رياضية كثيرة والتى لاداعى للخوض فيها لتقريب الموضوع الى الاذهان.
واذا تأملنا الوضع الحادث ببساطة شديدة نجد ان عملية تمليح التربة عبارة عن حركة الماء والاملاح من اسفل الى اعلى بالخاصة الشعرية نتيجة التبخير .وبديهى فالماء الشعرى لايتحرك الى اعلى الا من خلال المسام الشعرية الضيقة فقط.اما عملية الغسيل فهى عبارة عن حركة الماء والاملاح من اعلى الى اسفل بالجاذبية الارضية. وماء الغسيل لايتحرك الى اسفل الا من خلال المسام الواسعة الغير شعرية.
اى معنى هذا ان حركة الماء والاملاح فى التربة تسلك طريقين مختلفين تماما وكل طريق منهم مؤهل لخدمة اتجاه واحد .
فالطريق الصاعد لاعلى يتخلل المسام الشعرية فقط ومتخصص فى نقل الاملاح من اسفل الى اعلى والطريق الهابط الى باطن التربة يسلك المسام الواسعة فقط وهى المسام الغير شعرية ومتخصص فى ارجاع ماتم نقله من املاح عبر الطريق الاول .. والغريب فى هذا الامر ان حركة الاملاح سواء عبر الطريق الضيق الذى هو من اسفل الى اعلى او عبر الطريق الواسع الذى هو من اعلى الى اسفل انها لاتتم فى وقت واحد ..بل تتم بالتبادل ..فاذا نشطت الحركة عن طريق الخاصة الشعرية وانعدمت بطريق الغسيل كان هذا دليلا على التمليح ..والعكس صحيح.. وبالتالى فان المطلوب منا هو عدم اعطاء الفرصة لنشاط الخاصة الشعرية الذى يسبب هذه المشاكل.
وناتى للحديث عن الطرق المستخدمة لاجراء عملية الغسيل
يتبع فى غسيل الاراضى الملحية نظامان للغسيل
1-الغسيل المستمر Continuous Leaching
وفى هذا النظام يضاف الماء الى التربة بحيث يظل عمقه على سطح التربة فى حدود 10-20سم طوال مدة الغسيل ويعوض النقص التبخير او الصرف باضافات جديدة باستمرار.
2-الغسيل المتفطع Intermittent Leaching
وفى نظام الغسيل المتقطع (اى على فترات) يضاف اولا كمية من الماء تكفى للوصول بقطاع التربة الى مرحلة التشبع ثم يوقف بعدها الغسيل فترة حوالى ثلاثة اسابيع او اكثر قليلا ثم اضافة اخرى لمدة ثلاثة اسابيع اخرى .وهكذا حتى يتم غسيل اغلب الاملاح .
وفى الحقيقة يعتبر الغسيل المتقطع اعلى كفاءة من الغسيل المستمر علاوة على عدم احتياجه لكميات كبيرة من الماء مما يخفف الضغط على المصارف.
وبعد هذا العرض الموجز لطرق ووسائل استصلاح الاراصى يمكننا ان نقول بانه يمكن الاسراع بعملية الاستصلاح اذا لجأنا الى اكثر من طريقة فى نفس الوقت فمثلا استخدام طرق الحرث العميق او تقليب التربة قبل الغسيل يؤدى الى زيادة نفاذية التربة وبالتالى زيادة كفاءة التخلص من الاملاح بالغسيل ونفس الهدف يمكن تحقيقه لو لجأنا الى قلب التربة مع اضافة المادة العضوية.
وبشكل عام فان كل طرق الاستصلاح سواء كانت طبيعية او كيميائية او بيولوجية او هيدرولوجية فانها تساعد كثيرا ولكن اجتماع الطرق جميعها سوف يعطى افضل النتائج باذن الله تعالى