مكافحةٌ حَيويّة لوباء الجراد
أسلحةٌ حديثة تصدياً لأعداءٍ من قديم الأزل
التنوع البيولوجى يعنى تنوع جميفي غضون جائحة الجراد الصحراوي عام 1988، تمكّنت الأسراب من عبور المحيط الأطلنطي بأسره، إنطلاقاً من موريتانيا إلى الإقليم الكاريبي فقطعت بذلك مسافةً لا تقل عن 5000 كيلومتر في بحر عشرة أيام.
وحتي العلماء فقد إمتلكتهم بعض الحيرة، إذ تهبط أسراب الجراد الطائرة عادةً كل ليلة للاستراحة من عناء السفر... علماً بأن الجرادة حشرة غير قادرة على السباحة. فكيف تمكّنت هذه الحشود الهائلة من قطع تلك المسافة الشاسعة عبر مياه المحيطات؟
وسرعان ما أسقط في يد الخبراء أن الحشود كانت تهبط في المحيط- على متن أيّ سفن في الطريق، وأيضاً فوق سطح الماء. فما أن تغرق الأفراد الأولى من الجراد حتى تتحوّل إلى طوّافاتٍ عائمة "للرفاق"، بحيث تستريح فوقها!
ومنذ فجر تاريخ الزراعة قبل أكثر من 10000 عام تعيّن على البشرية أن تواجه عدواً داهيةً لا يعرف الخوف، ألا وهو الجرادة الصحراوية المعروفة وفق التصنيف العلمي باسم (Schistocerca gregaria). ومثل هذه الأفراد المنعزلة بطبيعتها عادةً- ويمتد موطنها من صحاري غرب إفريقيا وصولاً إلى الهند- تتحوّل من حينٍ لآخر إلى حشودٍ شرهة وواسعة النطاق تخلّف وراءها أينما مرّت الجوعَ والفقر والخراب.
يقول السيد عبد المجيد الشعّار، رئيس قسم العلاقات الإعلامية لدى المنظمة، متذكِّراً بينما كان في سياق واحدةٍ من المهمّات الميدانية السابقة كمديرٍ لفريقٍ تليفزيوني: "وجدنا أنفسنا وسط ما يشبه مظلةً سوداء هابطة من أعلى".
ففي عام 1988، حلّقت طائرةٌ مروحيّة تحمل علي متنها فريقاً تلفزيونياً من المنظمة لتغطية أحداث الجراد الصحراوي بجنوب تونس، وسرعان ما وجد الفريق نفسه إزاء ما فاق توقعّْاته السابقة كافة... لإحراز سبقٍ صحفي.
وأضاف: "فجأة، خيَّم علينا الظلام وبدأت محرّكات الطائرة المروحيّة تختنق بفعل امتصاص الحشرات المحلّقة حولنا... وقد جاهدنا للبقاء محلّقين في الهواء بينما أحاط بنا من كل حدبٍ وصوب ملايينٌ وملايين من الحشرات... كعاصفة رمليّة مؤلَفة من الجراد الصحراوي".
"وإذ ترنّحت الطائرة على نحوٍ يبعث علي القلق ولم يسعنا أن نتبيّن إلى أين تتجه بينما غطّت مخلّفات الجراد اللزجة الزجاج أمامنا ومن حولنا، بدا الأمر كما لو كان سقوط الطائرة قد أضحى في عِداد المؤكد... لكننا نجحنا بقدرة قادرٍ في تحقيق هبوطٍ إضطراري بسلام، وسط حقل زيتون."
والمعتاد أن تردِّد الألسنة أحياناً أن من الصعوبة بمكانٍ إتمام الرش في الهواء إزاء أسراب الجراد المحلّقة فعلياً، وأن ذلك ينطوي على خطورةٍ عالية بل وأن عمليات المكافحة والرش المأمونة ينبغي تنفيذها أرضاً...
غير أن ذلك لا لم يعُد ينطبق اليوم على الواقع في جميع الأحوال، بعدما أثبت الطيّارون الأستراليون الذين يقودون طائراتٍ ذات محركات امتصاصٍ خلّفية الإتجاه للهواء، إمكانيّة تنفيذ عمليات مكافحةٍ ناجحة أثناء الطيران تصدياً لحشود الجراد الأسترالي الغازية في مرحلة التحليق.
فمن خلال الطيران على ارتفاعاتٍ أعلى من الأسراب ذاتها تُنَفَّذ عمليات الرش باتجاه الريح. ويضمن ذلك إنجاح مهمتين في آن معاً: أي تحقيق امتصاصٍ أعلى من جانب الأسراب للمبيدات مما يقضي بسرعة عليها؛ والحدّ من سقوط تركّزات المبيدات السُميّة الى مستوياتٍ دنيا فوق سطح الأرض من المخلّفات.
وعلى مدى التاريخ، سعى المزارعون والحكومات سواءً بسواء إلى صدّ أسراب وحشود الجراد من خلال جمع الحشرات، وإحداث الضوضاء، وإطلاق الدخان، ودفن الحشرات وحرقها. لكن كلّ ذلك لم يحقق إلا أقل الأثر. إذ أن حشود الجراد التي قد تمتدّ أحياناً على مسافات مئات الكيلومترات في كتلة واحدة، لتضمّ ملياراتٍ من الأفراد، من المتعيّن أن تسود على ما عداها بمجرد التفوّق العددي.
مخاوف على الصحة والبيئة
طالما حار الإنسان في الإجابة على تساؤلات من أين جاءت هذه الحشرات وكيف نجحت في البقاء أحياءَ بمناطق تواجدها. وبحلول منتصف القرن العشرين أدرك المتسائلون أن الحشرات الإنفرادية السمراء الفاتحة التي تقطُن الصحراء القاحلة مبعثرةً هنا وهناك... هي نفسها تلك الأنواع الحمراء والصفراء الشرِهَة التي تتجمع على هيئة حشود مخيفة. فقد تعيّن الإنتظار لفهم تكوينها البيولوجي والوقوف على قوة المبيدات الكيميائية ووسائل الرش الجوي اللاحقة منذ عقود قليلة، حتى أمكن لجهود المكافحة السيطرة على هذا العدو المخيف. بيد أن استخدام المبيدات الحشرية على النطاق الواسع أثار مخاوف حقيقية في نفس الوقت بالنسبة لخطرها على الصحة البشرية والبيئة.
وفي مركز الطوارئ لعمليات مكافحة الجراد (ECLO) ، بالطابق السابع في مقر منظمة الأغذية والزراعة بروما، يفحص خبير توقّعات الجراد لدى المنظمة كيث كريسمان، الأوضاع البيئية الحالية وبيانات عشائر الجراد عبر شاشات الكومبيوتر الثلاث على مكتبه. ففي مطلع عام 2005 إنتهت آخر جائحة كبرى للجراد الصحراوي ويسود اليوم مستوى إنذار "أخضر"... أو وضع متسم بالهدوء.
لقطة فيديو: جائحة الجراد الصحراوي في موريتانيا، 2004
لكن خبراء مركز الطوارئ لعمليات مكافحة الجراد لدى المنظمة، يعدّون العُدة مع ذلك للتصدى للدورة القادمة في المعركة قديمة الأزل ضدّ الجراد- حيثما وحينما تبدأ الحشود حركة تجمّعها.
وفي هذا الصدد، يقول خبير المنظمة كريسمان: "في المرة المقبلة سنستخدم أدوات مكافحة جديدة".
عوامل مستَجَدة للمكافحة الحيوية
تملك إنجازات التقدّم الأخيرة في بحوث المكافحة البيولوجية الحيوية، متى اقترنت بعمليات رصد واستخبارٍ محسّنة، قدرةً كبيرة على إحداث فارق محسوس حين يحين أوان الدورة المقبلة في المعركة المنتظرة مع الجراد. وبِفضل مثل هذه المنتجات فقد يصبح في المستطاع خفض كمّيات المبيدات الحشرية الكيميائية المستخدمة خفضاً حاداً.
ويعمل على تحقيق مثل هذا الوعد، فريقٌ من العلماء لدى المركز الدولي لفسيولوجية الحشرات والنظـام الإيكولوجي (ICIPE) في نيروبي. ويقود فريق المعهد عالم بيئة كيميائي، من مواليد زنجبار، هو الخبير أحمد حسنالي. وقد نجح فعلياً في عزل وإعادة تركيب "فيرومون" نوعي للجراد- أو الإشارة الكيميائية- يمكن أن يُستخدم ضدّ صغار الجراد ذاته في غضون مرحلة النمو، كسلاحٍ بيولوجي بالغ القدرة علي التدمير.
ويتبيّن للعلماء أن مادة "فينيلاسيتونيتريل"، أو الإشارة الكيميائية إيجازاً، تتحكّم في سلوك ذكور الحشرة البالغة، وتحكم التجمّع على هيئة أسراب كما تُستَخدم غريزياً لتحذير الذكور الآخرين للابتعاد عنهم خلال فترات التزاوج للتكاثر. بيد أن العالم الإفريقي أحمد حسنالي نجح في تحقيق نتائج مختلفة على نحوٍ مثير للدهشة في حالة الجراد الأحدث عمراً والمعروف بالنطاط.
تجمّعات النطاط
فكما هو الحال بالنسبة للجراد البالغ الذي يحتشد علي هيئة أسراب يشكّل النطاط أيضاً تجمّعاتٍ متفرّقة هنا وهناك، في ظل الظروف المواتية، إذ تتوقف الحشرات في هذا الطور عن السلوك الفرادي وتتراصف في تجمعّاتٍ غازية بحدود مساحة خمسة كيلومترات عرضاً. وهذه التجمّعات من النطاط هي أقل شراهة من الجراد الطائر، المكتمل النمو، الذي يلتهم يومياً معادل وزنه من الغذاء.
وفي ثلاث تجارب ميدانية منفصلة- آخرها بالسودان في العام الماضي- دلّل فريق العالم الإفريقي على أنّ حتى كميات نذرة من مادة الإشارة الكيميائية يمكن أن تنشر الفوضى بين تجمّعات النطاط بالنسبة لسلوكيات التجمّع وتجعلها "تخرج عن الصفّ".
فما تبيّن، أن هذه المادة تؤدي إلى بعثرة التجمّعات وتحدِّث تشوّشاً وتؤدي إلى حاسة الإتجاه لدى الحشرة في هذا الطور، بل أن بعض الأفراد تفقد الشهيّة كلياً.ويتحوّل البعض منها إلى أكلةٍ لنفس النوع فيستديروا ملتهمين بعضهم بعضاً. وخلافاً لذلك، فالبقية تقع فريسةً سهلة للأنواع الأخرى من المُفتَرسات الطبيعية للنوع.
غير أن ما يجعل هذه المادة الكيميائية بالغة الجاذبية، فهو ضآلة الكميات المطلوبة منها لتحقيق نتائج باهرة- أي نموذجياً ما هو دون 10 مليلترات لكلّ هكتار- بمقياس معادلها من مبيدات الحشرات الكيميائية أو البيولوجية الأخرى. وما يعنيه ذلك فعلياً أن التكاليف المالية والبيئية لعمليات المكافحة تضحى بالغة الإنخفاض، أي 50 سنت (نصف دولار أمريكي) لكلّ هكتار مقابل 12 دولار للمبيدات الحشرية الكيميائية، وما يتراوح بين 15 - 20 دولار للمبيدات البيولوجية.
ولا شك أن ذلك يشكِّل اعتباراً بالغ الأهمية بالنسبة لُبلدان الخطوط الأمامية في المعركة مع الجراد الصحراوي- لا سيما أن العديد منها يُصنَّف من بين بلدان العالم الأشد فقراً.
"العضلة الخضراء"
ومن النُهُج الأخرى البالغة الفعالية، مع بعض الإختلاف، يبرز مبيد "العضلة الخضراء" المسجّل كماركة تجارية حالياً " Green Muscle"، وهو مبيد حيوي من تطوير شعبة المكافحة البيولوجية لدى المركز الدولي للزراعة الإستوائية (IITA)، بكوتونو في بينان، ويجري إنتاجه حاليا في جنوب إفريقيا.
ويحتــوي مبــيــــد "العضلــــة الخضــــراء" علــى بــويغــات من فطــــر ميتارهيــزيــوم "Metarhizium anisopliae var acridum" المتكاثر طبيعياً، ويملك القدرة علي النمو فوق قشرة الجراد الخارجية ومن ثم يخترق الهيكل الخارجي للجرادة قبل أن يدمّر أنسجتها من الداخل. وبالتأكيد فليس ذلك نبأً ساراً للجراد، لكن الفطر لا تأثير له مطلقاً على الأشكال الحيّة الأخرى.
ورغم استخدام مبيد "العضلة الخضراء" حتى الآن بنجاح في أستراليا، فقد تباطأ سياق استقدامه إلى إفريقيا وآسيا بسبب عوامل عديدة. وتتضمن تلك الحاجة إلى إجراء المزيد من التجارب الواسعة النطاق، والحصول على موافقةٍ رسمية للمُنتَج لدى العديد من بلدان القارتين، فضلاً عن العثور على حل لمشكلة القِصَر النسبي لفترة "الخزن الصالح" في حالة التجهيز للرشّ السائل. ومن المعوّقات الأخرى أن القضاء على الجراد يتطلّب عدة أيام باستخدام هذا المبيد، أي فيما ينطوي على تكاليفٍ عالية نسبياً. ومن الضروري أيضاً النظر في متطلّبات إنتاجه النظامي على نطاقٍ واسع.
ولعل الحل الكامن لجُملة هذه المشكلات إنما يتمثّل في خزن المنتَج على هيئة مسحوق وإذابته كسائل مباشرةً قبل الاستعمال. وبالنسبة لفريق الخبير الإفريقي أحمد حسنالي فقد أمكن التدليل على نتيجة مؤداها أن استخدام هذا المبيد الحيوي من خلال مزجه بكمية نزرة من مادة "فينيلاسيتونيتريل"- أو الإشارة الكيميائية على نحو ما سبق التعريف- إنما يتيح تحقيق نفس النتائج المنشودة بالاعتماد على رُبع الجرعة الطبيعية من "العضلة الخضراء" وحدها.
مُنظِّمات نمو الحشرة
وفي مستودع الأسلحة الحيوية الحديثة قيد الإعداد جنباً إلى جنب مع تلك تبرز فئة من المنتجات التي باتت تعرف باسم "مُنظِّمات نمو الحشرة" (IGRs)، وتحدّ تلك "العوامل الحيويّة" من قدرة النطاط على إعادة التشكّل والنمو الصحيح. وليس لهذه الفئة من المبيدات أي آثار سامّة مباشرة على الفقريّات.
وتملك فئة "مُنظِّمات نمو الحشرة" تلك فعّالية متواصلة على مدى أسابيع عديدة بعد الاستخدام الأوّل، وتصلُح على نحوٍ خاص للاستخدام في إقامة ما يسمّى "بالحاجِز العازل". وما يعنيه ذلك فهو استعمال "أشرطة ضيقة" من هذا المنتج برشّه عمودياً في اتّجاه سير تجمعات النطاط، أي فيما لا يتجاوز 10 بالمائة من الكمّيات المستعملة عادةً في عمليات "الرش الغطائي" الشامل. وعقب عبور حاجزٍ أو إثنين من تلك تمتصّ تجمّعات النطاط هذا المنتج بكميّاتٍ تكفي لهلاكها البطئ في غضون مرحلة التشكّل اللاحق.
وعلى نفس نموذج مبيدي "الإشارة الكيميائية" و"العضلة الخضراء" سواءً بسواء فمن الضّروري استهداف الجراد في مرحلةٍ مبكّرة من نموه، قبل طور التحليق. وينطوي ذلك تباعاً، على توفير مستويات متقدّمة من الرصد وجمع المعلومات الاستخبارية للتأكد من أن التجمعّات والأسراب لن تتطور إلى مرحلة الحشود الكاسحة بل سيُقضَى عليها في مرحلة المنشأ.
ترحيل المعلومات في حينها
وحتي إن كان بحوزة مركز الطوارئ لعمليات مكافحة الجراد، لدى المنظمة، تجهيزاتٍ على اتصال بالتوابع الفضائية الموصولة مباشرةً بأجهزة الكومبيوتر ونماذج التقدير الرياضية في متناول أصبع الخبراء، فلم تنفك الحلقة الأضعف في هذه الوصلة الناجحة كونها الفترة الزمنية الفاصلة والمطلوبة للحصول على معلوماتٍ ميدانية موثوقةٍ وكافية.
وتعمل الأفرقة الأرضية النقّالة، المختصة برصد عشائر الجراد في بعضٍٍ من مناطق العالم الأشد ارتفاعاً لدرجات الحرارة، وأحياناً (لأسبابٍ بيئية وأمنيّة) من أكثرها عدائيّةً. وقد ينقضي أسبوعٌ أو أكثر قبل وصول تقريرٍ من موقعٍ ما بمنطقة الصحراء الكبرى، على سبيل الافتراض، إلى مكتب خبير المنظمة كيث كريسمان. وفي غضون تلك الفترة على حد تعبيره، حين يقول أن الجراد "لا يتطلّب تأشيراتٍ للسفر"، فقد تنتقل الحشود إلى بلدٍ جديد بل وربما حتى إلى قارةٍ أخرى.
ولعل ذلك في طريقه إلى التغيير في القريب العاجل، على أي حالٍ. فاليوم تحمل الأفرقة الأرضية النقّالة أجهزةً يدوية خاصّة تمكّنها من تسجيل بياناتٍ حاسمة عن الجراد وتنقلاته وحشوده، ومن ثم ترحيل هذه المعلومات في حينها-أي في الوقت الفعلي- إلى شاشات الكومبيوتر لدى مركز مكافحة الجراد بمقر المنظمة في روما.
وقد قــام علــى تطــويــر هــذه الأداة وكــالــــةُ الفضــــاء الفرنسيــــة (CNES) باسم (elocust2)، كجهازٍِ قادر على نقل المعلومات المستقاة من التوابع الفضائية للاتصالات وترحيلها فورياً إلى مراكز المكافحة الوطنية للجراد لدى البلدان المتضررة. ثم عقب بضع دقائق تحويلها إلى مقر المنظمة للتحليل وإعداد تحرّكات المواجهة. وفي حالة تجمعّات النطاط ذات التركّزات البالغة، يصبح بالوسع اتخاذ إجراءاتٍ فوّرية للتصدي لها بحيث لا تتطوّر إلى مراحل تشكيل الحشود المحلًّقة والهائلة للجراد الصحراوي.
عَوْدٌ على بدء
كتب خبير الجراد مارتن إنسيرينك، في مجلة "Science" مُورداً هذا الوصف التصويري، لحشود الجراد التي تجاوزت مرحلة السيطرة عليها:
"في صباحٍ جميل من نوفمبر/تشرين الثّاني بالمغرب بدا واضحاً، حتى من هذه المسافة، أن ثمة شيئاً بالغ الغرابة قد حلّ بالأشجار حول هذه القرية الصغرى. فقد ظهرت أوراقها الخضراء مغطاةً بَلَمعانٍ وردي يميل إلى الحُمرة، كأنّ أوراقها يتغيّر لونها. . . وبالاقتراب أكثر فأكثر، يتضح هذا الشكل على هيئة كتلةٍ تتلوّى؛ أشبه بقبّعةٍ عملاقة من الحشرات التي حطّت فوق كلّ شجرة، تلتهم أوراقها الضئيلة بلا رحمة. وبمزيدٍ من الاقتراب، يبلع السمع رذاذ ٌ متواصل... هو السيلُ المستمر لمخلّفات الجراد ساقطةً فوق سطح الأرض."
مثل هذه الرؤية المرعِبة، وربما معها جائحات الجراد جميعاً، قد تغدو يوماً من أحداث الماضي الغابر.
--------------------------------------------------------------------------------
المصدر: منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO)
أسلحةٌ حديثة تصدياً لأعداءٍ من قديم الأزل
التنوع البيولوجى يعنى تنوع جميفي غضون جائحة الجراد الصحراوي عام 1988، تمكّنت الأسراب من عبور المحيط الأطلنطي بأسره، إنطلاقاً من موريتانيا إلى الإقليم الكاريبي فقطعت بذلك مسافةً لا تقل عن 5000 كيلومتر في بحر عشرة أيام.
وحتي العلماء فقد إمتلكتهم بعض الحيرة، إذ تهبط أسراب الجراد الطائرة عادةً كل ليلة للاستراحة من عناء السفر... علماً بأن الجرادة حشرة غير قادرة على السباحة. فكيف تمكّنت هذه الحشود الهائلة من قطع تلك المسافة الشاسعة عبر مياه المحيطات؟
وسرعان ما أسقط في يد الخبراء أن الحشود كانت تهبط في المحيط- على متن أيّ سفن في الطريق، وأيضاً فوق سطح الماء. فما أن تغرق الأفراد الأولى من الجراد حتى تتحوّل إلى طوّافاتٍ عائمة "للرفاق"، بحيث تستريح فوقها!
ومنذ فجر تاريخ الزراعة قبل أكثر من 10000 عام تعيّن على البشرية أن تواجه عدواً داهيةً لا يعرف الخوف، ألا وهو الجرادة الصحراوية المعروفة وفق التصنيف العلمي باسم (Schistocerca gregaria). ومثل هذه الأفراد المنعزلة بطبيعتها عادةً- ويمتد موطنها من صحاري غرب إفريقيا وصولاً إلى الهند- تتحوّل من حينٍ لآخر إلى حشودٍ شرهة وواسعة النطاق تخلّف وراءها أينما مرّت الجوعَ والفقر والخراب.
يقول السيد عبد المجيد الشعّار، رئيس قسم العلاقات الإعلامية لدى المنظمة، متذكِّراً بينما كان في سياق واحدةٍ من المهمّات الميدانية السابقة كمديرٍ لفريقٍ تليفزيوني: "وجدنا أنفسنا وسط ما يشبه مظلةً سوداء هابطة من أعلى".
ففي عام 1988، حلّقت طائرةٌ مروحيّة تحمل علي متنها فريقاً تلفزيونياً من المنظمة لتغطية أحداث الجراد الصحراوي بجنوب تونس، وسرعان ما وجد الفريق نفسه إزاء ما فاق توقعّْاته السابقة كافة... لإحراز سبقٍ صحفي.
وأضاف: "فجأة، خيَّم علينا الظلام وبدأت محرّكات الطائرة المروحيّة تختنق بفعل امتصاص الحشرات المحلّقة حولنا... وقد جاهدنا للبقاء محلّقين في الهواء بينما أحاط بنا من كل حدبٍ وصوب ملايينٌ وملايين من الحشرات... كعاصفة رمليّة مؤلَفة من الجراد الصحراوي".
"وإذ ترنّحت الطائرة على نحوٍ يبعث علي القلق ولم يسعنا أن نتبيّن إلى أين تتجه بينما غطّت مخلّفات الجراد اللزجة الزجاج أمامنا ومن حولنا، بدا الأمر كما لو كان سقوط الطائرة قد أضحى في عِداد المؤكد... لكننا نجحنا بقدرة قادرٍ في تحقيق هبوطٍ إضطراري بسلام، وسط حقل زيتون."
والمعتاد أن تردِّد الألسنة أحياناً أن من الصعوبة بمكانٍ إتمام الرش في الهواء إزاء أسراب الجراد المحلّقة فعلياً، وأن ذلك ينطوي على خطورةٍ عالية بل وأن عمليات المكافحة والرش المأمونة ينبغي تنفيذها أرضاً...
غير أن ذلك لا لم يعُد ينطبق اليوم على الواقع في جميع الأحوال، بعدما أثبت الطيّارون الأستراليون الذين يقودون طائراتٍ ذات محركات امتصاصٍ خلّفية الإتجاه للهواء، إمكانيّة تنفيذ عمليات مكافحةٍ ناجحة أثناء الطيران تصدياً لحشود الجراد الأسترالي الغازية في مرحلة التحليق.
فمن خلال الطيران على ارتفاعاتٍ أعلى من الأسراب ذاتها تُنَفَّذ عمليات الرش باتجاه الريح. ويضمن ذلك إنجاح مهمتين في آن معاً: أي تحقيق امتصاصٍ أعلى من جانب الأسراب للمبيدات مما يقضي بسرعة عليها؛ والحدّ من سقوط تركّزات المبيدات السُميّة الى مستوياتٍ دنيا فوق سطح الأرض من المخلّفات.
وعلى مدى التاريخ، سعى المزارعون والحكومات سواءً بسواء إلى صدّ أسراب وحشود الجراد من خلال جمع الحشرات، وإحداث الضوضاء، وإطلاق الدخان، ودفن الحشرات وحرقها. لكن كلّ ذلك لم يحقق إلا أقل الأثر. إذ أن حشود الجراد التي قد تمتدّ أحياناً على مسافات مئات الكيلومترات في كتلة واحدة، لتضمّ ملياراتٍ من الأفراد، من المتعيّن أن تسود على ما عداها بمجرد التفوّق العددي.
مخاوف على الصحة والبيئة
طالما حار الإنسان في الإجابة على تساؤلات من أين جاءت هذه الحشرات وكيف نجحت في البقاء أحياءَ بمناطق تواجدها. وبحلول منتصف القرن العشرين أدرك المتسائلون أن الحشرات الإنفرادية السمراء الفاتحة التي تقطُن الصحراء القاحلة مبعثرةً هنا وهناك... هي نفسها تلك الأنواع الحمراء والصفراء الشرِهَة التي تتجمع على هيئة حشود مخيفة. فقد تعيّن الإنتظار لفهم تكوينها البيولوجي والوقوف على قوة المبيدات الكيميائية ووسائل الرش الجوي اللاحقة منذ عقود قليلة، حتى أمكن لجهود المكافحة السيطرة على هذا العدو المخيف. بيد أن استخدام المبيدات الحشرية على النطاق الواسع أثار مخاوف حقيقية في نفس الوقت بالنسبة لخطرها على الصحة البشرية والبيئة.
وفي مركز الطوارئ لعمليات مكافحة الجراد (ECLO) ، بالطابق السابع في مقر منظمة الأغذية والزراعة بروما، يفحص خبير توقّعات الجراد لدى المنظمة كيث كريسمان، الأوضاع البيئية الحالية وبيانات عشائر الجراد عبر شاشات الكومبيوتر الثلاث على مكتبه. ففي مطلع عام 2005 إنتهت آخر جائحة كبرى للجراد الصحراوي ويسود اليوم مستوى إنذار "أخضر"... أو وضع متسم بالهدوء.
لقطة فيديو: جائحة الجراد الصحراوي في موريتانيا، 2004
لكن خبراء مركز الطوارئ لعمليات مكافحة الجراد لدى المنظمة، يعدّون العُدة مع ذلك للتصدى للدورة القادمة في المعركة قديمة الأزل ضدّ الجراد- حيثما وحينما تبدأ الحشود حركة تجمّعها.
وفي هذا الصدد، يقول خبير المنظمة كريسمان: "في المرة المقبلة سنستخدم أدوات مكافحة جديدة".
عوامل مستَجَدة للمكافحة الحيوية
تملك إنجازات التقدّم الأخيرة في بحوث المكافحة البيولوجية الحيوية، متى اقترنت بعمليات رصد واستخبارٍ محسّنة، قدرةً كبيرة على إحداث فارق محسوس حين يحين أوان الدورة المقبلة في المعركة المنتظرة مع الجراد. وبِفضل مثل هذه المنتجات فقد يصبح في المستطاع خفض كمّيات المبيدات الحشرية الكيميائية المستخدمة خفضاً حاداً.
ويعمل على تحقيق مثل هذا الوعد، فريقٌ من العلماء لدى المركز الدولي لفسيولوجية الحشرات والنظـام الإيكولوجي (ICIPE) في نيروبي. ويقود فريق المعهد عالم بيئة كيميائي، من مواليد زنجبار، هو الخبير أحمد حسنالي. وقد نجح فعلياً في عزل وإعادة تركيب "فيرومون" نوعي للجراد- أو الإشارة الكيميائية- يمكن أن يُستخدم ضدّ صغار الجراد ذاته في غضون مرحلة النمو، كسلاحٍ بيولوجي بالغ القدرة علي التدمير.
ويتبيّن للعلماء أن مادة "فينيلاسيتونيتريل"، أو الإشارة الكيميائية إيجازاً، تتحكّم في سلوك ذكور الحشرة البالغة، وتحكم التجمّع على هيئة أسراب كما تُستَخدم غريزياً لتحذير الذكور الآخرين للابتعاد عنهم خلال فترات التزاوج للتكاثر. بيد أن العالم الإفريقي أحمد حسنالي نجح في تحقيق نتائج مختلفة على نحوٍ مثير للدهشة في حالة الجراد الأحدث عمراً والمعروف بالنطاط.
تجمّعات النطاط
فكما هو الحال بالنسبة للجراد البالغ الذي يحتشد علي هيئة أسراب يشكّل النطاط أيضاً تجمّعاتٍ متفرّقة هنا وهناك، في ظل الظروف المواتية، إذ تتوقف الحشرات في هذا الطور عن السلوك الفرادي وتتراصف في تجمعّاتٍ غازية بحدود مساحة خمسة كيلومترات عرضاً. وهذه التجمّعات من النطاط هي أقل شراهة من الجراد الطائر، المكتمل النمو، الذي يلتهم يومياً معادل وزنه من الغذاء.
وفي ثلاث تجارب ميدانية منفصلة- آخرها بالسودان في العام الماضي- دلّل فريق العالم الإفريقي على أنّ حتى كميات نذرة من مادة الإشارة الكيميائية يمكن أن تنشر الفوضى بين تجمّعات النطاط بالنسبة لسلوكيات التجمّع وتجعلها "تخرج عن الصفّ".
فما تبيّن، أن هذه المادة تؤدي إلى بعثرة التجمّعات وتحدِّث تشوّشاً وتؤدي إلى حاسة الإتجاه لدى الحشرة في هذا الطور، بل أن بعض الأفراد تفقد الشهيّة كلياً.ويتحوّل البعض منها إلى أكلةٍ لنفس النوع فيستديروا ملتهمين بعضهم بعضاً. وخلافاً لذلك، فالبقية تقع فريسةً سهلة للأنواع الأخرى من المُفتَرسات الطبيعية للنوع.
غير أن ما يجعل هذه المادة الكيميائية بالغة الجاذبية، فهو ضآلة الكميات المطلوبة منها لتحقيق نتائج باهرة- أي نموذجياً ما هو دون 10 مليلترات لكلّ هكتار- بمقياس معادلها من مبيدات الحشرات الكيميائية أو البيولوجية الأخرى. وما يعنيه ذلك فعلياً أن التكاليف المالية والبيئية لعمليات المكافحة تضحى بالغة الإنخفاض، أي 50 سنت (نصف دولار أمريكي) لكلّ هكتار مقابل 12 دولار للمبيدات الحشرية الكيميائية، وما يتراوح بين 15 - 20 دولار للمبيدات البيولوجية.
ولا شك أن ذلك يشكِّل اعتباراً بالغ الأهمية بالنسبة لُبلدان الخطوط الأمامية في المعركة مع الجراد الصحراوي- لا سيما أن العديد منها يُصنَّف من بين بلدان العالم الأشد فقراً.
"العضلة الخضراء"
ومن النُهُج الأخرى البالغة الفعالية، مع بعض الإختلاف، يبرز مبيد "العضلة الخضراء" المسجّل كماركة تجارية حالياً " Green Muscle"، وهو مبيد حيوي من تطوير شعبة المكافحة البيولوجية لدى المركز الدولي للزراعة الإستوائية (IITA)، بكوتونو في بينان، ويجري إنتاجه حاليا في جنوب إفريقيا.
ويحتــوي مبــيــــد "العضلــــة الخضــــراء" علــى بــويغــات من فطــــر ميتارهيــزيــوم "Metarhizium anisopliae var acridum" المتكاثر طبيعياً، ويملك القدرة علي النمو فوق قشرة الجراد الخارجية ومن ثم يخترق الهيكل الخارجي للجرادة قبل أن يدمّر أنسجتها من الداخل. وبالتأكيد فليس ذلك نبأً ساراً للجراد، لكن الفطر لا تأثير له مطلقاً على الأشكال الحيّة الأخرى.
ورغم استخدام مبيد "العضلة الخضراء" حتى الآن بنجاح في أستراليا، فقد تباطأ سياق استقدامه إلى إفريقيا وآسيا بسبب عوامل عديدة. وتتضمن تلك الحاجة إلى إجراء المزيد من التجارب الواسعة النطاق، والحصول على موافقةٍ رسمية للمُنتَج لدى العديد من بلدان القارتين، فضلاً عن العثور على حل لمشكلة القِصَر النسبي لفترة "الخزن الصالح" في حالة التجهيز للرشّ السائل. ومن المعوّقات الأخرى أن القضاء على الجراد يتطلّب عدة أيام باستخدام هذا المبيد، أي فيما ينطوي على تكاليفٍ عالية نسبياً. ومن الضروري أيضاً النظر في متطلّبات إنتاجه النظامي على نطاقٍ واسع.
ولعل الحل الكامن لجُملة هذه المشكلات إنما يتمثّل في خزن المنتَج على هيئة مسحوق وإذابته كسائل مباشرةً قبل الاستعمال. وبالنسبة لفريق الخبير الإفريقي أحمد حسنالي فقد أمكن التدليل على نتيجة مؤداها أن استخدام هذا المبيد الحيوي من خلال مزجه بكمية نزرة من مادة "فينيلاسيتونيتريل"- أو الإشارة الكيميائية على نحو ما سبق التعريف- إنما يتيح تحقيق نفس النتائج المنشودة بالاعتماد على رُبع الجرعة الطبيعية من "العضلة الخضراء" وحدها.
مُنظِّمات نمو الحشرة
وفي مستودع الأسلحة الحيوية الحديثة قيد الإعداد جنباً إلى جنب مع تلك تبرز فئة من المنتجات التي باتت تعرف باسم "مُنظِّمات نمو الحشرة" (IGRs)، وتحدّ تلك "العوامل الحيويّة" من قدرة النطاط على إعادة التشكّل والنمو الصحيح. وليس لهذه الفئة من المبيدات أي آثار سامّة مباشرة على الفقريّات.
وتملك فئة "مُنظِّمات نمو الحشرة" تلك فعّالية متواصلة على مدى أسابيع عديدة بعد الاستخدام الأوّل، وتصلُح على نحوٍ خاص للاستخدام في إقامة ما يسمّى "بالحاجِز العازل". وما يعنيه ذلك فهو استعمال "أشرطة ضيقة" من هذا المنتج برشّه عمودياً في اتّجاه سير تجمعات النطاط، أي فيما لا يتجاوز 10 بالمائة من الكمّيات المستعملة عادةً في عمليات "الرش الغطائي" الشامل. وعقب عبور حاجزٍ أو إثنين من تلك تمتصّ تجمّعات النطاط هذا المنتج بكميّاتٍ تكفي لهلاكها البطئ في غضون مرحلة التشكّل اللاحق.
وعلى نفس نموذج مبيدي "الإشارة الكيميائية" و"العضلة الخضراء" سواءً بسواء فمن الضّروري استهداف الجراد في مرحلةٍ مبكّرة من نموه، قبل طور التحليق. وينطوي ذلك تباعاً، على توفير مستويات متقدّمة من الرصد وجمع المعلومات الاستخبارية للتأكد من أن التجمعّات والأسراب لن تتطور إلى مرحلة الحشود الكاسحة بل سيُقضَى عليها في مرحلة المنشأ.
ترحيل المعلومات في حينها
وحتي إن كان بحوزة مركز الطوارئ لعمليات مكافحة الجراد، لدى المنظمة، تجهيزاتٍ على اتصال بالتوابع الفضائية الموصولة مباشرةً بأجهزة الكومبيوتر ونماذج التقدير الرياضية في متناول أصبع الخبراء، فلم تنفك الحلقة الأضعف في هذه الوصلة الناجحة كونها الفترة الزمنية الفاصلة والمطلوبة للحصول على معلوماتٍ ميدانية موثوقةٍ وكافية.
وتعمل الأفرقة الأرضية النقّالة، المختصة برصد عشائر الجراد في بعضٍٍ من مناطق العالم الأشد ارتفاعاً لدرجات الحرارة، وأحياناً (لأسبابٍ بيئية وأمنيّة) من أكثرها عدائيّةً. وقد ينقضي أسبوعٌ أو أكثر قبل وصول تقريرٍ من موقعٍ ما بمنطقة الصحراء الكبرى، على سبيل الافتراض، إلى مكتب خبير المنظمة كيث كريسمان. وفي غضون تلك الفترة على حد تعبيره، حين يقول أن الجراد "لا يتطلّب تأشيراتٍ للسفر"، فقد تنتقل الحشود إلى بلدٍ جديد بل وربما حتى إلى قارةٍ أخرى.
ولعل ذلك في طريقه إلى التغيير في القريب العاجل، على أي حالٍ. فاليوم تحمل الأفرقة الأرضية النقّالة أجهزةً يدوية خاصّة تمكّنها من تسجيل بياناتٍ حاسمة عن الجراد وتنقلاته وحشوده، ومن ثم ترحيل هذه المعلومات في حينها-أي في الوقت الفعلي- إلى شاشات الكومبيوتر لدى مركز مكافحة الجراد بمقر المنظمة في روما.
وقد قــام علــى تطــويــر هــذه الأداة وكــالــــةُ الفضــــاء الفرنسيــــة (CNES) باسم (elocust2)، كجهازٍِ قادر على نقل المعلومات المستقاة من التوابع الفضائية للاتصالات وترحيلها فورياً إلى مراكز المكافحة الوطنية للجراد لدى البلدان المتضررة. ثم عقب بضع دقائق تحويلها إلى مقر المنظمة للتحليل وإعداد تحرّكات المواجهة. وفي حالة تجمعّات النطاط ذات التركّزات البالغة، يصبح بالوسع اتخاذ إجراءاتٍ فوّرية للتصدي لها بحيث لا تتطوّر إلى مراحل تشكيل الحشود المحلًّقة والهائلة للجراد الصحراوي.
عَوْدٌ على بدء
كتب خبير الجراد مارتن إنسيرينك، في مجلة "Science" مُورداً هذا الوصف التصويري، لحشود الجراد التي تجاوزت مرحلة السيطرة عليها:
"في صباحٍ جميل من نوفمبر/تشرين الثّاني بالمغرب بدا واضحاً، حتى من هذه المسافة، أن ثمة شيئاً بالغ الغرابة قد حلّ بالأشجار حول هذه القرية الصغرى. فقد ظهرت أوراقها الخضراء مغطاةً بَلَمعانٍ وردي يميل إلى الحُمرة، كأنّ أوراقها يتغيّر لونها. . . وبالاقتراب أكثر فأكثر، يتضح هذا الشكل على هيئة كتلةٍ تتلوّى؛ أشبه بقبّعةٍ عملاقة من الحشرات التي حطّت فوق كلّ شجرة، تلتهم أوراقها الضئيلة بلا رحمة. وبمزيدٍ من الاقتراب، يبلع السمع رذاذ ٌ متواصل... هو السيلُ المستمر لمخلّفات الجراد ساقطةً فوق سطح الأرض."
مثل هذه الرؤية المرعِبة، وربما معها جائحات الجراد جميعاً، قد تغدو يوماً من أحداث الماضي الغابر.
--------------------------------------------------------------------------------
المصدر: منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (FAO)