منقول للافادة فقر المياه.. حلول ممكنة
file:///C:/DOCUME%7E1/b/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image001.jpg
عشرات المؤتمرات.. مئات الأبحاث.. آلاف العلماء.. ملايين بل بلايين النفوس البشرية في انتظار الخروج من المأزق.. في انتظار سر الحياة.. وفرة المياه العذبة.
أصبح العالم بين خيارين أحلاهما مر, إما أن تتوقف الكثير من الصناعات التي تسبب ما يسمي بالانبعاث الحراري, وبالتالي ارتفاع درجة حرارة الأرض, واتساع ثقب الأوزون, وبالتالي ازدياد رقعة التصحر وندرة مياه الأمطار التي هي المصدر الرئيسي للمياه العذبة.
أو الاتجاه نحو تحلية مياه البحار المالحة, وهذه مكلفة جدا بصورة تشكل عبئا علي الدول النامية والفقيرة التي يتقاتل مواطنوها في لحظات الشدة من أجل رغيف الخبز والحل الأخير لا يلغي تماما الحد من الانبعاث الحراري حتي لا يصبح سببا في غرق أجزاء كثيرة من العالم, ولكن بالمياه المالحة حيث ذوبان القطب الجليدي وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات وبالتالي اختفاء أجزاء كبيرة من دول عديدة علي رأسها الساحل الشمالي الإفريقي.
وأمام استحالة رضوخ الدول الكبري التخلي عن طموحاتها الصناعية, ظهرت ابتكارات تحلية مياه البحار وانتشرت ولكن في الدول التي تتمتع بوفرة اقتصادية تمكنها من ذلك, علي سبيل المثال دول الخليج التي تستأثر بثلثي تلك المحطات علي مستوي العالم, والثلث الباقي موزع بين الدول الغربية وأمريكا. وأصبحت الدول الفقيرة والنامية مثل مصر في انتظار وقوع البلاء, أو حدوث المعجزة.
ووسط هذا الجو المعتم, برز طوق النجاة, بل العديد من أطواق النجاة في أبحاث العلماء المصريين والعرب وغيرهم من دول العالم, وإن كان المصريون يستأثرون بنصف هذه الأبحاث في مصر والخارج علي حد قول د. مجدي أبوريان رئيس جامعة المنصورة الأسبق ورئيس الجمعية المصرية لتكنولوجيا المياه, وهو واحد من العلماء المهتمين والمهمومين بتلك المشكلة في مصر والعالم العربي ـ لب مشكلة التصحر ـ.
ولكن المشكلة غير المقبولة تتلخص في عدم اهتمام حكومات الدول التي تعاني بالأبحاث و الإنجازات العلمية التي ستقفز باقتصاديات تلك البلاد إلي مصاف الدول الكبري أو شبه ذلك.
وكأن الوضع الحالي المرير يمثل فائدة كبرى لعدد محدود من أثرياء الأزمات الذين يشكلون جماعات الضغط والتأثير في صنع القرار, وقد عرفنا هذا السيناريو في كثير من المحاصيل الزراعية الضرورية مثل القمح والقطن المصري المميز عالميا, فكان الاعتماد علي الخارج المستورد, وانهيار الداخل المحلي!!
file:///C:/DOCUME%7E1/b/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image002.jpgأرز وقمح.. من طرح البحر!
1- التهجين و الهندسة الوراثية
في منظر خلاب على شاطئ البحر المتوسط.. تختلط خضرة نبات الغاب بزرقة مياه البحر.. نبات الغاب عضو عائلة النباتات النجيلية التي تضم أيضا الأرز والقمح.. فلم لا تهجن أعضاء العائلة الواحدة لتنتج قمحا وأرزا يزرعان بماء البحر؟
دارت هذه الفكرة في ذهن العالم المصري د. أحمد مستجير أستاذ الهندسة الوراثية بجامعة القاهرة مع مطلع التسعينيات.. فنبات الغاب لديه توليفة من الجينات تؤهله للتكيف مع المياه شديدة الملوحة التي تغطي ثلاثة أرباع سطح كرتنا الأرضية، وفي نفس الوقت فهو مشابه في تركيبه لنباتي الأرز والقمح؛ نظرًا لكونهما من نفس عائلة النباتات النجيلية.. فماذا لو تم نقل الجينات المسؤولة عن تحمل الغاب للملوحة باستخدام تقنيات الهندسة الوراثية إلى القمح والأرز؟.. لكن حتى الآن لم يتم التعرف على تلك الجينات تحديدًا.. الحل بسيط نلجأ لتقنيات هندسة الفقراء الوراثية..
هندسة الفقراء الوراثية
ناقش د. أحمد مستجير الفكرة مع د. أسامة الشيحي -أستاذ بيوتكنولوجيا النبات بكلية الزراعة جامعة القاهرة- ليبدأ هو بالفعل تطبيق الفكرة.ويسرد د.أسامة القصة قائلا: استخدمنا ما يسمى بالاندماج الخلوي أو التهجين الخضري، ويطلق عليها اسم "الهندسة الوراثية للفقراء"، وهي في واقع الأمر ليست هندسة وراثية؛ بل هي دمج خلايا منزوعة الجدار من نوعين مختلفين من النبات لتنتج خلايا هجينة تحمل الطاقمين الوراثيين للنوعين معاً يمكن تنميتهما إلى نباتات كاملة، وهذا بالفعل ما طبقناه.
وبعد تجارب عديدة تم الوصول إلى 12 سلالة جديدة من الأرز تحمل صفات مختلفة من الغاب التي أجريت عليها التجارب داخل الصوبة من ثلاث نواحٍ هي:
-درجة تحملها للملوحة.
-درجة تحملها للجفاف.
-درجة تحملها للحرارة العالية.
وحتى الآن تمت دراسة 5 سلالات منها سلالتان متحملتان للجفاف وثلاث سلالات متحملة للملوحة حتى 32000 جزء في المليون، أي تعادل تقريبا ملوحة البحر الأبيض المتوسط والسلالات الخمس معا متحملة للحرارة العالية.
وبعد ذلك انتقلت الزراعة من الصوبة إلى مساحات كبيرة خارجية منذ بداية عام 1997؛ حيث وصلت حتى الآن لنحو 60 فدانا بأراضٍ مالحة تماماً لا تصلح لأي زراعة في محافظتي الفيوم وبني سويف، ونتج عنها محصول جيد ذو صفات جيدة.
قمح وأرز.. يوفران المياه
أما بالنسبة للقمح فقد تم عمل تهجين خضري بين صنفي سخا 68 وسخا 69 ونبات الغاب، ونتج عنهما 18 صورة تتراوح في الشكل والحجم بين حبوب الغاب وحبوب القمح، وبعد دراسات تم التوصل لسلالات جديدة منها سلالتان مقاومتان للجفاف وسلالتان للملوحة، وحتى الآن تمت زراعة مساحات تصل لنحو 35 فدانًا زُرعت في أراضٍ تصل درجة ملوحتها لنحو 32 ألف جزء في المليون"p.p.m".
فسلالة القمح المقاوم للجفاف توفر حوالي 50% من كميات المياه المستخدمة في السلالات العادية من القمح؛ ففي حين يحتاج القمح العادي لكمية مياه تقدر بحوالي 3000 متر مكعب للفدان فإن السلالة الجديدة تحتاج لنحو 1500 متر مكعب فقط، ونحن في مصر نزرع سنويا حوالي 5, 2 مليون فدان بمعدل مياه مقدارها حوالي 5, 7 مليارات متر مكعب من المياه، ولكن لو زرعنا بهذا الصنف المقاوم للجفاف فإنه سيوفر حوالي 3 مليارات و750 مليون متر مكعب سنويا بالنسبة للقمح فقط.
أما سلالة الأرز المقاومة للجفاف فيحتاج الفدان منها إلى مياه تقدر بنحو2500 متر مكعب في حين أن الأصناف العادية فتستهلك حوالي 7000 متر مكعب، وإذا علمنا أننا في مصر نزرع سنويًّا حوالي مليون فدان أرز فإن السلالة الجيدة في حالة استخدامها يمكن أن توفر سنويا حوالي 5 مليارات متر مكعب من المياه، وهذا الأمر شديد الأهمية في ظل شبح ندرة المياه الذي يهدد العالم (http://www.islamonline.net/Arabic/Science/2001/04/Article6.shtml). فحسب دراسة أشرفت عليها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تستشرف أحوال العالم عام 2015 تتنبأ بأن المياه ستمثل تحديًا عظيم الأهمية بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشبه الصحراء الأفريقية وجنوب آسيا وشمال الصين؛ حيث يتوقع التقرير أن تشتد حدة الخلافات الإقليمية بشأن المياه مع حلول عام 2015، وتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم من 16 مليار نسمة عام 2000 إلى نحو 27 مليار نسمة عام 2015.
إنتاج جيد من أرض مالحة تماما
file:///C:/DOCUME%7E1/b/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image003.jpg
وقد تراوح الإنتاج من الأرز بين 2, 3 إلى 2, 4 أطنان، وذلك من السلالة المقاومة للملوحة، في حين يتراوح إنتاج السلالة العادية بين 4 إلى 5 أطنان للفدان، كما تم التوصل لسلالات من القمح تنتج 15.5 إردبا للفدان، في حين تنتج السلالة العادية من القمح بالمياه العذبة وفي الأرض العادية تنتج حوالي 18 إردبا للفدان .
ولم تقتصر إمكانات السلالات الجديدة على مقاومة الملوحة والجفاف؛ بل تعدتها لتنافس السلالات العادية في القيمة الغذائية التي تحتويها، ويتضح هذا من الجدول التالي الذي يوضح مقارنة في المكونات الغذائية بين السلالة المقاومة للملوحة العالية حتى 32000 ألف P.P.M "ألف جزء في المليون" والسلالات:
سلالة رقم (1) المقاومة للملوحة العالية حتى 32000 P.P.M
المكونات
الأرز العادي
السلالة الجديدة
الفرق بينهما
البروتين%
8.4
9.65
15, 1
الكربوهيدرات%
63.4
70.55
11, 1
أملاح معدنية:mg/g dry wt
بوتاسيوم
4.85
39, 12
55, 2
فسفور
15.12
48, 32
15, 2
كالسيوم
17.35
25, 38
2, 2
ماغنسيوم
1.45
65, 5
9, 3
منجنيز
0.05
89, 0
8, 17
حديد
0,11
89, 3
36, 35
زنك
0,80
92, 4
15, 6
صوديوم
1,00
85, 2
85, 2
محاصيل المستقبل.. تحارب الفيروسات والتلوث
كما أن السلالة الجديدة تساعد في تحسين صفات التربة المالحة التي تزرع بها، وهو ما يساهم في استصلاح أراضٍ جديدة، وذلك في حالة الزراعة بمياه عذبة تغسل أملاح التربة، وبالتالي تحولها من أرض ملحية لا تصلح للزارعة إلى أرض صالحة تماما للزراعة.
وهناك احتمالات بأن تتميز السلالات الجديدة من القمح والأرز بالقدرة على مقاومة تلوث البيئة، ويرجع هذا إلى ارتفاع كفاءة نبات الغاب في عملية البناء الضوئي؛ الأمر الذي يمكن السلالات الجديدة من القمح أو الأرز –في حالة نقل تلك الصفة إليها- من امتصاص كمية أكبر من ثاني أكسيد الكربون، وإفراز كمية أكبر من الأكسجين، وبالتالي يساهم في محاربة التلوث.
كما تم التوصل لسلالة أرز شتوية -ولكنها ما زالت تحت التجارب- وبالتالي نتمكن من زراعة الأرز صيفا وشتاء أو نزرع الأرز شتاء، ونوفر المساحات لزراعة ما نحتاجه من محاصيل صيفية كالقطن مثلا.
ويتوقع د. أسامة الشيحي التوصل لأصناف من الأرز والقمح لها القدرة على مقاومة الأمراض والفيروسات كما يتصف بذلك نبات الغاب؛ فهو من النباتات التي تتحمل الظروف المعاكسة؛ بمعنى أنه قادر على التكيف مع الحرارة المرتفعة والبرودة الشديدة والرطوبة العالية وجو الأمراض (حشرات وغيرها)، وبالتالي فمن المتوقع أن تكون سلالات القمح والأرز الناتجة من المقاومة أيضاً للظروف المعاكسة.
2- استخدام أحماض أمينية
الري بالمياه المالحة
قام "محمد الشاذلي" الباحث المساعد بمعهد بحوث المياه والأراضي والبيئة بالقاهرة بعمل دراسة أثبت من خلالها إمكانية زراعة مختلف أنواع الأراضي سواء رسوبية، أو رملية، أو جيرية بمحاصيل غذائية مثل القمح والأرز والذرة وعباد الشمس، واستخدم للري مياها تصل درجة تركيز الأملاح بها حتى 15 مليموز/سم (مقياس ملوحة المياه).. وذلك عبر رش المزروعات بحمض أميني مستخلص من النباتات المقاومة للملوحة يعرف بحمض "البرولين" على أن يكون تركيز هذا الحمض في المياه أثناء الرش فقط 30 جزءا في المليون في اللتر الواحد، أي 30 مليجرام للتر، بالإضافة إلى العناصر الكبرى (مثل النيتروجين والفوسفات والبوتاسيوم) والعناصر الصغرى (مثل درجة الحرارة والرطوبة وباقي الظروف) التي تحتاج إليها النباتات في مراحل نموها المختلفة.
البرولين.. حفظ إلهي للنبات
ويوضح "الشاذلي" أنه بدراسة الخريطة الجينية للنباتات التي تتحمل قدرا أكبر من ملوحة مياه الري، تبين أن الله اختصها بتكوين نوع من الأحماض الأمينية يعرف بالبرولين، يساعدها على امتصاص كميات أكبر من المياه والغذاء المتوافر في بيئتها الطبيعية لتخفيف تركيز الملوحة بها، والناتجة عن ترسب الأملاح بخلاياها؛ نتيجة عوامل البخر وعملية النتح.
بالإضافة إلى أن تكوين البرولين بتلك النباتات يمنع تكسير البروتين داخل النبات في مراحل نموه الأولى، والتي لا يحتاج فيها النبات لتلك البروتينات، ولا يستطيع الاستفادة بها، حتى إن تكسيرها في تلك المراحل يعرض النبات للشيخوخة الممرضة والموت.
وبعد استخلاص البرولين من النباتات المقاومة للملوحة مثل الغاب، أخذت التجارب مرحلتين:
أولى كانت بنقع بذور النباتات غير المقاومة للملوحة في محلول البرولين، لدراسة تأثير تركيزات الأملاح المختلفة في مياه الري على معدل إنباتها - خاصة النباتات شديدة الحساسية للملوحة مثل القمح.
ووجد أن البرولين قلل من التأثيرات الضارة للملوحة على نمو النباتات، وبالتالي قلل من تراكم الملح في أنسجة النبات، وهذا في حد أقصى من الملوحة بمياه الري يقدر بـ 15 مليموز/سم إذا تم نقع الجذور في محلول حمض البرولين الأميني بتركيز 30 جزءا في المليون في اللتر.
أما المرحلة الأخرى للتجارب فكانت برش بادرات النبات بمحلول البرولين لمعرفة معدلات نمو النبات وامتصاصه للعناصر الغذائية من التربة أثناء فترة النمو مع تركيزات الأملاح المختلفة في مياه الري. واتضح أيضاً أن نسبة الاستفادة القصوى للنبات من ذلك الحمض الأميني تقدر بـ30 جزءا في المليون في اللتر.
الآبار المالحة.. آن أوان استخدامها
وترجع أهمية تلك النتائج كما يوضح الدكتور "سمير عبد العزيز" أستاذ الأراضي بالمعهد، والذي أشرف على هذه الدراسة التي نال عنها "الشاذلي" درجة الماجستير، إلى أنها تدحض الاعتقاد الشائع لدى المستثمرين في مجال استصلاح الأراضي الصحراوية بأن مياه الآبار والعيون المتوافرة في المناطق الصحراوية المترامية الأطراف على امتداد العالم الإسلامي لا تصلح إلا لزراعة نوعيات محددة من النباتات التي تتحمل درجات الملوحة العالية، وتحت ظرف خدمة شاقة عالية التقنية وفائقة التكلفة، وهو ما دفع الكثيرين من المستثمرين إلى الإحجام عن استصلاح تلك المناطق رغم توافر موارد المياه الجوفية بها، خشية أن يفاجأ بارتفاع نسبة تركيز الأملاح عن الدرجة التي تصلح للزراعة، والمقدرة بـ 1.5مليموز/سم، خاصة أن الآبار التي تم حفرها سرعان ما يعلو تركيز الأملاح بها نتيجة السحب الجائر منها، الأمر الذي كان يقف عثرة في سبيل تحقيق خطط التوسع الطموحة في المساحات المزروعة.
ومن أمثلة تلك المناطق التي يمكن الآن من خلال الأسلوب الجديد استزراعها: تلك المناطق الشاسعة في صحراء مصر الشرقية خلف هضبة المقطم بامتداد سواحل البحر الأحمر حتى وسط صعيد مصر في محافظات المنيا وأسيوط، وكذلك السهول المنبسطة في منطقة منخفض الفيوم المحيطة ببحيرة قارون ومناطق الواحات "الداخلة" و"الخارجة"، ومثيلاتها في أرجاء العالم. حيث يمكن تحويلها إلى مزارع للقمح والأرز والذرة وعباد الشمس وغيرها من الزراعات الإستراتيجية.
زراعة بمياه البحار
ويضيف الدكتور "محمد السيد علي" أستاذ الأراضي بكلية الزراعة بـ"مشتهر" في محافظة الشرقية، والذي أشرف على إعداد العالم الشاب لتلك الدراسة العلمية، أن نتائجها لا تقف عند هذا الحد، حيث إنها توفر إمكانية زراعة السهول المتاخمة لشواطئ البحار البعيدة عن نطاق سقوط الأمطار، والتي لا تفي مواردها من المياه العذبة لزراعتها.
فيمكن تخفيف درجة تركيز الأملاح في مياه البحار، التي تتراوح ما بين 35 إلى 45 مليموز/سم، عن طريق خلطها بالمياه العذبة أو الأقل ملوحة حتى ينخفض تركيز الأملاح بها إلى 15 مليموز/سم، وبالتالي يمكن استخدامها في ري المزروعات عن طريق أسلوب الرش بالبرولين، وهو ما يفتح آفاقا لا حدود لها لزراعة الصحارى المطلة على البحار والمحيطات.
فضلا عن تعظيم الموارد المتاحة من المياه الصالحة للزراعة في البلاد التي لا تفي حصتها من مياه الأنهار باحتياجاتها للري، مثل مصر وسوريا والعراق، وذلك بتكلفة بسيطة لا تقارن بتكلفة تحلية مياه البحار التي تفوقها بمئات الأضعاف.
يبقى التصنيع المحلي
وقد أثبتت الدراسة عدم وجود آثار سلبية على النبات المعالج بالبرولين من حيث الشكل أو الطعم أو نسب المحتويات الغذائية أو الخصائص الطبيعية للنبات مهما علت نسب تركيزه، وكذلك على صحة الحيوان والإنسان الذي يتناول النباتات المعالجة في غذائه أو يتعامل معها في مراحل إنتاجها أو تصنيعها أو تداولها المختلفة.
وإن كان من المفضل ألا يزيد تركيز البرولين عن 30 جزءا في المليون لأسباب اقتصادية بحتة، حيث ثبت بالتجارب المصاحبة للدراسة أن معدلات استفادة النبات من البرولين تتناقص إذا تم زيادة التركيز عن هذا المعدل.
ولا يتبقى بعد ذلك غير العمل على إنتاج البرولين باستخلاصه محليا من النباتات ذات القدرات العالية على تحمل الملوحة، والمتوافرة في البيئات المحلية، حتى لا تؤدي تكاليف استيراده العالية إلى حرمان بعض البلدان الفقيرة من استخدامه، حيث تصل تكلفة استيراده إلى دولار أمريكي للجرام الواحد، ويحتاج الفدان إلى 50 جراما تقريبا من البرولين لإحداث التأثير المرغوب.
file:///C:/DOCUME%7E1/b/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image001.jpg
عشرات المؤتمرات.. مئات الأبحاث.. آلاف العلماء.. ملايين بل بلايين النفوس البشرية في انتظار الخروج من المأزق.. في انتظار سر الحياة.. وفرة المياه العذبة.
أصبح العالم بين خيارين أحلاهما مر, إما أن تتوقف الكثير من الصناعات التي تسبب ما يسمي بالانبعاث الحراري, وبالتالي ارتفاع درجة حرارة الأرض, واتساع ثقب الأوزون, وبالتالي ازدياد رقعة التصحر وندرة مياه الأمطار التي هي المصدر الرئيسي للمياه العذبة.
أو الاتجاه نحو تحلية مياه البحار المالحة, وهذه مكلفة جدا بصورة تشكل عبئا علي الدول النامية والفقيرة التي يتقاتل مواطنوها في لحظات الشدة من أجل رغيف الخبز والحل الأخير لا يلغي تماما الحد من الانبعاث الحراري حتي لا يصبح سببا في غرق أجزاء كثيرة من العالم, ولكن بالمياه المالحة حيث ذوبان القطب الجليدي وارتفاع منسوب مياه البحار والمحيطات وبالتالي اختفاء أجزاء كبيرة من دول عديدة علي رأسها الساحل الشمالي الإفريقي.
وأمام استحالة رضوخ الدول الكبري التخلي عن طموحاتها الصناعية, ظهرت ابتكارات تحلية مياه البحار وانتشرت ولكن في الدول التي تتمتع بوفرة اقتصادية تمكنها من ذلك, علي سبيل المثال دول الخليج التي تستأثر بثلثي تلك المحطات علي مستوي العالم, والثلث الباقي موزع بين الدول الغربية وأمريكا. وأصبحت الدول الفقيرة والنامية مثل مصر في انتظار وقوع البلاء, أو حدوث المعجزة.
ووسط هذا الجو المعتم, برز طوق النجاة, بل العديد من أطواق النجاة في أبحاث العلماء المصريين والعرب وغيرهم من دول العالم, وإن كان المصريون يستأثرون بنصف هذه الأبحاث في مصر والخارج علي حد قول د. مجدي أبوريان رئيس جامعة المنصورة الأسبق ورئيس الجمعية المصرية لتكنولوجيا المياه, وهو واحد من العلماء المهتمين والمهمومين بتلك المشكلة في مصر والعالم العربي ـ لب مشكلة التصحر ـ.
ولكن المشكلة غير المقبولة تتلخص في عدم اهتمام حكومات الدول التي تعاني بالأبحاث و الإنجازات العلمية التي ستقفز باقتصاديات تلك البلاد إلي مصاف الدول الكبري أو شبه ذلك.
وكأن الوضع الحالي المرير يمثل فائدة كبرى لعدد محدود من أثرياء الأزمات الذين يشكلون جماعات الضغط والتأثير في صنع القرار, وقد عرفنا هذا السيناريو في كثير من المحاصيل الزراعية الضرورية مثل القمح والقطن المصري المميز عالميا, فكان الاعتماد علي الخارج المستورد, وانهيار الداخل المحلي!!
file:///C:/DOCUME%7E1/b/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image002.jpgأرز وقمح.. من طرح البحر!
1- التهجين و الهندسة الوراثية
في منظر خلاب على شاطئ البحر المتوسط.. تختلط خضرة نبات الغاب بزرقة مياه البحر.. نبات الغاب عضو عائلة النباتات النجيلية التي تضم أيضا الأرز والقمح.. فلم لا تهجن أعضاء العائلة الواحدة لتنتج قمحا وأرزا يزرعان بماء البحر؟
دارت هذه الفكرة في ذهن العالم المصري د. أحمد مستجير أستاذ الهندسة الوراثية بجامعة القاهرة مع مطلع التسعينيات.. فنبات الغاب لديه توليفة من الجينات تؤهله للتكيف مع المياه شديدة الملوحة التي تغطي ثلاثة أرباع سطح كرتنا الأرضية، وفي نفس الوقت فهو مشابه في تركيبه لنباتي الأرز والقمح؛ نظرًا لكونهما من نفس عائلة النباتات النجيلية.. فماذا لو تم نقل الجينات المسؤولة عن تحمل الغاب للملوحة باستخدام تقنيات الهندسة الوراثية إلى القمح والأرز؟.. لكن حتى الآن لم يتم التعرف على تلك الجينات تحديدًا.. الحل بسيط نلجأ لتقنيات هندسة الفقراء الوراثية..
هندسة الفقراء الوراثية
ناقش د. أحمد مستجير الفكرة مع د. أسامة الشيحي -أستاذ بيوتكنولوجيا النبات بكلية الزراعة جامعة القاهرة- ليبدأ هو بالفعل تطبيق الفكرة.ويسرد د.أسامة القصة قائلا: استخدمنا ما يسمى بالاندماج الخلوي أو التهجين الخضري، ويطلق عليها اسم "الهندسة الوراثية للفقراء"، وهي في واقع الأمر ليست هندسة وراثية؛ بل هي دمج خلايا منزوعة الجدار من نوعين مختلفين من النبات لتنتج خلايا هجينة تحمل الطاقمين الوراثيين للنوعين معاً يمكن تنميتهما إلى نباتات كاملة، وهذا بالفعل ما طبقناه.
وبعد تجارب عديدة تم الوصول إلى 12 سلالة جديدة من الأرز تحمل صفات مختلفة من الغاب التي أجريت عليها التجارب داخل الصوبة من ثلاث نواحٍ هي:
-درجة تحملها للملوحة.
-درجة تحملها للجفاف.
-درجة تحملها للحرارة العالية.
وحتى الآن تمت دراسة 5 سلالات منها سلالتان متحملتان للجفاف وثلاث سلالات متحملة للملوحة حتى 32000 جزء في المليون، أي تعادل تقريبا ملوحة البحر الأبيض المتوسط والسلالات الخمس معا متحملة للحرارة العالية.
وبعد ذلك انتقلت الزراعة من الصوبة إلى مساحات كبيرة خارجية منذ بداية عام 1997؛ حيث وصلت حتى الآن لنحو 60 فدانا بأراضٍ مالحة تماماً لا تصلح لأي زراعة في محافظتي الفيوم وبني سويف، ونتج عنها محصول جيد ذو صفات جيدة.
قمح وأرز.. يوفران المياه
أما بالنسبة للقمح فقد تم عمل تهجين خضري بين صنفي سخا 68 وسخا 69 ونبات الغاب، ونتج عنهما 18 صورة تتراوح في الشكل والحجم بين حبوب الغاب وحبوب القمح، وبعد دراسات تم التوصل لسلالات جديدة منها سلالتان مقاومتان للجفاف وسلالتان للملوحة، وحتى الآن تمت زراعة مساحات تصل لنحو 35 فدانًا زُرعت في أراضٍ تصل درجة ملوحتها لنحو 32 ألف جزء في المليون"p.p.m".
فسلالة القمح المقاوم للجفاف توفر حوالي 50% من كميات المياه المستخدمة في السلالات العادية من القمح؛ ففي حين يحتاج القمح العادي لكمية مياه تقدر بحوالي 3000 متر مكعب للفدان فإن السلالة الجديدة تحتاج لنحو 1500 متر مكعب فقط، ونحن في مصر نزرع سنويا حوالي 5, 2 مليون فدان بمعدل مياه مقدارها حوالي 5, 7 مليارات متر مكعب من المياه، ولكن لو زرعنا بهذا الصنف المقاوم للجفاف فإنه سيوفر حوالي 3 مليارات و750 مليون متر مكعب سنويا بالنسبة للقمح فقط.
أما سلالة الأرز المقاومة للجفاف فيحتاج الفدان منها إلى مياه تقدر بنحو2500 متر مكعب في حين أن الأصناف العادية فتستهلك حوالي 7000 متر مكعب، وإذا علمنا أننا في مصر نزرع سنويًّا حوالي مليون فدان أرز فإن السلالة الجيدة في حالة استخدامها يمكن أن توفر سنويا حوالي 5 مليارات متر مكعب من المياه، وهذا الأمر شديد الأهمية في ظل شبح ندرة المياه الذي يهدد العالم (http://www.islamonline.net/Arabic/Science/2001/04/Article6.shtml). فحسب دراسة أشرفت عليها وكالة المخابرات المركزية الأمريكية تستشرف أحوال العالم عام 2015 تتنبأ بأن المياه ستمثل تحديًا عظيم الأهمية بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط وشبه الصحراء الأفريقية وجنوب آسيا وشمال الصين؛ حيث يتوقع التقرير أن تشتد حدة الخلافات الإقليمية بشأن المياه مع حلول عام 2015، وتوقع أن يرتفع عدد سكان العالم من 16 مليار نسمة عام 2000 إلى نحو 27 مليار نسمة عام 2015.
إنتاج جيد من أرض مالحة تماما
file:///C:/DOCUME%7E1/b/LOCALS%7E1/Temp/msohtml1/01/clip_image003.jpg
وقد تراوح الإنتاج من الأرز بين 2, 3 إلى 2, 4 أطنان، وذلك من السلالة المقاومة للملوحة، في حين يتراوح إنتاج السلالة العادية بين 4 إلى 5 أطنان للفدان، كما تم التوصل لسلالات من القمح تنتج 15.5 إردبا للفدان، في حين تنتج السلالة العادية من القمح بالمياه العذبة وفي الأرض العادية تنتج حوالي 18 إردبا للفدان .
ولم تقتصر إمكانات السلالات الجديدة على مقاومة الملوحة والجفاف؛ بل تعدتها لتنافس السلالات العادية في القيمة الغذائية التي تحتويها، ويتضح هذا من الجدول التالي الذي يوضح مقارنة في المكونات الغذائية بين السلالة المقاومة للملوحة العالية حتى 32000 ألف P.P.M "ألف جزء في المليون" والسلالات:
سلالة رقم (1) المقاومة للملوحة العالية حتى 32000 P.P.M
المكونات
الأرز العادي
السلالة الجديدة
الفرق بينهما
البروتين%
8.4
9.65
15, 1
الكربوهيدرات%
63.4
70.55
11, 1
أملاح معدنية:mg/g dry wt
بوتاسيوم
4.85
39, 12
55, 2
فسفور
15.12
48, 32
15, 2
كالسيوم
17.35
25, 38
2, 2
ماغنسيوم
1.45
65, 5
9, 3
منجنيز
0.05
89, 0
8, 17
حديد
0,11
89, 3
36, 35
زنك
0,80
92, 4
15, 6
صوديوم
1,00
85, 2
85, 2
محاصيل المستقبل.. تحارب الفيروسات والتلوث
كما أن السلالة الجديدة تساعد في تحسين صفات التربة المالحة التي تزرع بها، وهو ما يساهم في استصلاح أراضٍ جديدة، وذلك في حالة الزراعة بمياه عذبة تغسل أملاح التربة، وبالتالي تحولها من أرض ملحية لا تصلح للزارعة إلى أرض صالحة تماما للزراعة.
وهناك احتمالات بأن تتميز السلالات الجديدة من القمح والأرز بالقدرة على مقاومة تلوث البيئة، ويرجع هذا إلى ارتفاع كفاءة نبات الغاب في عملية البناء الضوئي؛ الأمر الذي يمكن السلالات الجديدة من القمح أو الأرز –في حالة نقل تلك الصفة إليها- من امتصاص كمية أكبر من ثاني أكسيد الكربون، وإفراز كمية أكبر من الأكسجين، وبالتالي يساهم في محاربة التلوث.
كما تم التوصل لسلالة أرز شتوية -ولكنها ما زالت تحت التجارب- وبالتالي نتمكن من زراعة الأرز صيفا وشتاء أو نزرع الأرز شتاء، ونوفر المساحات لزراعة ما نحتاجه من محاصيل صيفية كالقطن مثلا.
ويتوقع د. أسامة الشيحي التوصل لأصناف من الأرز والقمح لها القدرة على مقاومة الأمراض والفيروسات كما يتصف بذلك نبات الغاب؛ فهو من النباتات التي تتحمل الظروف المعاكسة؛ بمعنى أنه قادر على التكيف مع الحرارة المرتفعة والبرودة الشديدة والرطوبة العالية وجو الأمراض (حشرات وغيرها)، وبالتالي فمن المتوقع أن تكون سلالات القمح والأرز الناتجة من المقاومة أيضاً للظروف المعاكسة.
2- استخدام أحماض أمينية
الري بالمياه المالحة
قام "محمد الشاذلي" الباحث المساعد بمعهد بحوث المياه والأراضي والبيئة بالقاهرة بعمل دراسة أثبت من خلالها إمكانية زراعة مختلف أنواع الأراضي سواء رسوبية، أو رملية، أو جيرية بمحاصيل غذائية مثل القمح والأرز والذرة وعباد الشمس، واستخدم للري مياها تصل درجة تركيز الأملاح بها حتى 15 مليموز/سم (مقياس ملوحة المياه).. وذلك عبر رش المزروعات بحمض أميني مستخلص من النباتات المقاومة للملوحة يعرف بحمض "البرولين" على أن يكون تركيز هذا الحمض في المياه أثناء الرش فقط 30 جزءا في المليون في اللتر الواحد، أي 30 مليجرام للتر، بالإضافة إلى العناصر الكبرى (مثل النيتروجين والفوسفات والبوتاسيوم) والعناصر الصغرى (مثل درجة الحرارة والرطوبة وباقي الظروف) التي تحتاج إليها النباتات في مراحل نموها المختلفة.
البرولين.. حفظ إلهي للنبات
ويوضح "الشاذلي" أنه بدراسة الخريطة الجينية للنباتات التي تتحمل قدرا أكبر من ملوحة مياه الري، تبين أن الله اختصها بتكوين نوع من الأحماض الأمينية يعرف بالبرولين، يساعدها على امتصاص كميات أكبر من المياه والغذاء المتوافر في بيئتها الطبيعية لتخفيف تركيز الملوحة بها، والناتجة عن ترسب الأملاح بخلاياها؛ نتيجة عوامل البخر وعملية النتح.
بالإضافة إلى أن تكوين البرولين بتلك النباتات يمنع تكسير البروتين داخل النبات في مراحل نموه الأولى، والتي لا يحتاج فيها النبات لتلك البروتينات، ولا يستطيع الاستفادة بها، حتى إن تكسيرها في تلك المراحل يعرض النبات للشيخوخة الممرضة والموت.
وبعد استخلاص البرولين من النباتات المقاومة للملوحة مثل الغاب، أخذت التجارب مرحلتين:
أولى كانت بنقع بذور النباتات غير المقاومة للملوحة في محلول البرولين، لدراسة تأثير تركيزات الأملاح المختلفة في مياه الري على معدل إنباتها - خاصة النباتات شديدة الحساسية للملوحة مثل القمح.
ووجد أن البرولين قلل من التأثيرات الضارة للملوحة على نمو النباتات، وبالتالي قلل من تراكم الملح في أنسجة النبات، وهذا في حد أقصى من الملوحة بمياه الري يقدر بـ 15 مليموز/سم إذا تم نقع الجذور في محلول حمض البرولين الأميني بتركيز 30 جزءا في المليون في اللتر.
أما المرحلة الأخرى للتجارب فكانت برش بادرات النبات بمحلول البرولين لمعرفة معدلات نمو النبات وامتصاصه للعناصر الغذائية من التربة أثناء فترة النمو مع تركيزات الأملاح المختلفة في مياه الري. واتضح أيضاً أن نسبة الاستفادة القصوى للنبات من ذلك الحمض الأميني تقدر بـ30 جزءا في المليون في اللتر.
الآبار المالحة.. آن أوان استخدامها
وترجع أهمية تلك النتائج كما يوضح الدكتور "سمير عبد العزيز" أستاذ الأراضي بالمعهد، والذي أشرف على هذه الدراسة التي نال عنها "الشاذلي" درجة الماجستير، إلى أنها تدحض الاعتقاد الشائع لدى المستثمرين في مجال استصلاح الأراضي الصحراوية بأن مياه الآبار والعيون المتوافرة في المناطق الصحراوية المترامية الأطراف على امتداد العالم الإسلامي لا تصلح إلا لزراعة نوعيات محددة من النباتات التي تتحمل درجات الملوحة العالية، وتحت ظرف خدمة شاقة عالية التقنية وفائقة التكلفة، وهو ما دفع الكثيرين من المستثمرين إلى الإحجام عن استصلاح تلك المناطق رغم توافر موارد المياه الجوفية بها، خشية أن يفاجأ بارتفاع نسبة تركيز الأملاح عن الدرجة التي تصلح للزراعة، والمقدرة بـ 1.5مليموز/سم، خاصة أن الآبار التي تم حفرها سرعان ما يعلو تركيز الأملاح بها نتيجة السحب الجائر منها، الأمر الذي كان يقف عثرة في سبيل تحقيق خطط التوسع الطموحة في المساحات المزروعة.
ومن أمثلة تلك المناطق التي يمكن الآن من خلال الأسلوب الجديد استزراعها: تلك المناطق الشاسعة في صحراء مصر الشرقية خلف هضبة المقطم بامتداد سواحل البحر الأحمر حتى وسط صعيد مصر في محافظات المنيا وأسيوط، وكذلك السهول المنبسطة في منطقة منخفض الفيوم المحيطة ببحيرة قارون ومناطق الواحات "الداخلة" و"الخارجة"، ومثيلاتها في أرجاء العالم. حيث يمكن تحويلها إلى مزارع للقمح والأرز والذرة وعباد الشمس وغيرها من الزراعات الإستراتيجية.
زراعة بمياه البحار
ويضيف الدكتور "محمد السيد علي" أستاذ الأراضي بكلية الزراعة بـ"مشتهر" في محافظة الشرقية، والذي أشرف على إعداد العالم الشاب لتلك الدراسة العلمية، أن نتائجها لا تقف عند هذا الحد، حيث إنها توفر إمكانية زراعة السهول المتاخمة لشواطئ البحار البعيدة عن نطاق سقوط الأمطار، والتي لا تفي مواردها من المياه العذبة لزراعتها.
فيمكن تخفيف درجة تركيز الأملاح في مياه البحار، التي تتراوح ما بين 35 إلى 45 مليموز/سم، عن طريق خلطها بالمياه العذبة أو الأقل ملوحة حتى ينخفض تركيز الأملاح بها إلى 15 مليموز/سم، وبالتالي يمكن استخدامها في ري المزروعات عن طريق أسلوب الرش بالبرولين، وهو ما يفتح آفاقا لا حدود لها لزراعة الصحارى المطلة على البحار والمحيطات.
فضلا عن تعظيم الموارد المتاحة من المياه الصالحة للزراعة في البلاد التي لا تفي حصتها من مياه الأنهار باحتياجاتها للري، مثل مصر وسوريا والعراق، وذلك بتكلفة بسيطة لا تقارن بتكلفة تحلية مياه البحار التي تفوقها بمئات الأضعاف.
يبقى التصنيع المحلي
وقد أثبتت الدراسة عدم وجود آثار سلبية على النبات المعالج بالبرولين من حيث الشكل أو الطعم أو نسب المحتويات الغذائية أو الخصائص الطبيعية للنبات مهما علت نسب تركيزه، وكذلك على صحة الحيوان والإنسان الذي يتناول النباتات المعالجة في غذائه أو يتعامل معها في مراحل إنتاجها أو تصنيعها أو تداولها المختلفة.
وإن كان من المفضل ألا يزيد تركيز البرولين عن 30 جزءا في المليون لأسباب اقتصادية بحتة، حيث ثبت بالتجارب المصاحبة للدراسة أن معدلات استفادة النبات من البرولين تتناقص إذا تم زيادة التركيز عن هذا المعدل.
ولا يتبقى بعد ذلك غير العمل على إنتاج البرولين باستخلاصه محليا من النباتات ذات القدرات العالية على تحمل الملوحة، والمتوافرة في البيئات المحلية، حتى لا تؤدي تكاليف استيراده العالية إلى حرمان بعض البلدان الفقيرة من استخدامه، حيث تصل تكلفة استيراده إلى دولار أمريكي للجرام الواحد، ويحتاج الفدان إلى 50 جراما تقريبا من البرولين لإحداث التأثير المرغوب.